بلغ عدد الموقوفين لدى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي 20 “مضارباً” على الليرة اللبنانية يتوزعون على غالبية المناطق، أبرزهم، علي نمر الخليل، الذي يُعدّ المشغّل الأكبر. رغم ذلك، لم ينخفض سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية، لكنه لم يرتفع أيضاً بنسبٍ كتلك التي شهدها خلال طفرة ارتفاع الدولار الشهر الماضي، جرّاء أعمال المراهنة التي قام بها هؤلاء.
التفسير المنطقي لعدم انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء يعود، وبحسب خبراء، إلى عدة عوامل، أبرزها “الخوف” الذي ينتاب الصرّافين عموماً من إلحاق الخسارة في قيمة موجوداتهم. ومن المعلوم أن المصرف المركزي يسحب شهرياً مبالغ تتراوح بين 200 و 250 مليون دولاراً أميركياً لتمويل التزاماته. ويُعدُ هذا التدخل مشروعاً، سنداً إلى المادة 83 من قانون النقد و التسليف، الذي يتيح للمصرف “شراء وبيع العملات الأجنبية من/إلى الجمهور”. غير أنه وفي تقدير الخبراء، إن الدولار سيثبت بالحد الأدنى، فور استشعار السوق بشيءٍ من الإستقرار، مع العلم أن التوقعات فور بدء الملاحقات الأمنية في حق المضاربين، قادت إلى اعتقادٍ صريح باحتمال تسجيل قفزات جنونية في سعر الصرف، ليبلغ ما يقارب 75 ألف ليرة على أقلّ تقدير.
عملياً، لم يكن مُصطلح “المضاربين” أو المضاربة على الليرة اللبنانية بالإعتماد على الدولار الأميركي رائجاً. المُصطلح المُعتمد كان “صرّافين غير شرعيين”، ينشطون عادةً في استبدال العملة الصعبة من خلال طرحها ثم إعادة سحبها من السوق. غير أن التأثير الأساسي في التلاعب بسعر صرف الدولار، يعود إلى لعبة المضاربين. وقد كشف مصدر أمني مطّلع على التحقيقات لـ”ليبانون ديبايت” ، أن هؤلاء المضاربين، نشطوا من خلال عدة مجموعات أدارت عملياتها عبر تطبيق “واتس آب”. أبرزها سوق “العاصمة” وهو عبارة عن مجموعة تضمّ ما يقارب 400 شخص تُصنّف كجزءٍ من “سوق الكشف”، الذي يعتمد على تخمين السعر لمدة أيام أو أسبوع مسبقاً، ومن ثم بيع الكميات فور بلوغ السعر الأرقام المحددة سلفاً في ما يشبه المراهنات والمقامرات الواضحة.
ويتبيّن بحسب المصدر الأمني، أن المضاربين الـ20 تحديداً، تلطّوا خلف الصرّافين غير الشرعيين، في سبيل ممارسة أنشطتهم وحمايتها، وهو ما قاد بدايةً إلى تشتيت جهود الأجهزة الأمنية، التي أخذت تلاحق الصرّافين غير الشرعيين بوصفهم مسؤولين عن تهاوي الليرة من خلال إشارات قضائية عُمّمت تباعاً، مع العلم أن تأثير هؤلاء يُعدّ بسيطاً أو خجولاً جداً، مقارنةً بالمضاربين الذين كانوا يطرحون أرقاماً هائلة على مجموعات المحادثة (واتسـآب)، وهو ما التفتت إليه شعبة المعلومات تحديداً، مع الإشارة إلى أن حضور مجموعات المحادثة، طغى على تطبيقات تحديد سعر الصرف التي أخذت تلاحق المجموعات والإعتماد عليها في تحديد السعر أو تخمينه، من خلال “دسّ” عملاء لمصلحتها داخل تلك المجموعات.
وبحسب التسريبات عن التحقيقات الأولية، تمكّن “المخبرون” من تجميع “داتا” حول المضاربين من خلال اختراق المجموعة المركزية (سوق العاصمة) وهو ما قاد إلى فهم طريقة عمل هؤلاء وأسلوبهم من خلال إجراء فصل بين الصرّافين غير الشرعيين والمضاربين الشرسين، و نتيجة ذلك كان توقيفهم أو إلايقاع بهم سريعاً، وبمجرد صدور الإشارة عن القضاء، مع العلم أن المصرف المركزي، كان قد زوّد القضاء بأسماء المضاربين من أجل توقيفهم، كشرطٍ لهدوء السوق كمقدمة لتدخّله لاحقاً.
من هنا، يبدو عمل المضاربين أقرب إلى عصابات الجريمة المنظّمة. والحاقاً بما تقدّم، بيّنت التحقيقات الأولية وفق ما يؤكد أكثر من مصدر أمني، أن المضاربين وظّفوا لمصلحتهم صرّافين ومخبرين لمراقبة مبنى المصرف المركزي في شارع الحمرا. والقسم الأخير بدا مهماً جداً في طريقة إدارة العمليات ومن أجل قراءة حركة السوق.
فعلى سبيل المثال، كان حين يعتقد المضاربون أن مصرف لبنان مقبلٌ على التدخل في السوق من أجل “لمّ الدولار” عبر ضخّ الليرة في السوق، ومن ثم إعادة طرحه لتأمين التزاماته حيال الموظفين بشكل عام، كان يقومون بالإيعاز للمخرّبين بالإنتشار في محيط مصرف لبنان وعلى الطرقات القريبة، من أجل رصد حركة السيارات الخارجة منه، وملاحقتها ومعرفة الأماكن التي ستتوجّه إليها، وهو ما يعطي إشارةً بأن عملية التدخّل لدعم الليرة من جانب مصرف لبنان قد بدأت بالفعل.
بناءً عليه، يجتمع هؤلاء عبر المجموعات ويبدأون بالمضاربة وطرح الأرقام، من أجل رفع السعر والتأثير على السوق لغايات شخصية، وهو ما كان يؤدي غالباً إلى قفزاتٍ في سعر صرف الدولار تتراوح بين 1000 إلى 4000 أو 5000 ليرة لبنانية في اليوم الواحد. وباعتراف أمنيين، فإن حالات التضخم الحالية، ناتجة عن المضاربات التي تولّاها المضاربون تحديداً. كذلك يعترف مصرف لبنان بأنه أصبح عاجزاً عن تهدئة السوق بفعل تلك المضاربات التي كانت تعود على المضاربين باستفادةٍ شخصية
المصدر : ليبانون ديبايت