بعد دولرة أسعار الاتصالات والإنترنت، والمطاعم والفنادق، والتأمينات على أنواعها، وغيرها من الخدمات الصحية والاستشفائية، والحديث عن دولرة أسعار السوبرماركت وصل “موس” الدولار أخيراً، الى فواتير المولدات، لتلامس بذلك أقسى فاتورة تقضّ مضاجع المواطنين المنهكين على كل المستويات، المتروكين لمصيرهم وأقدارهم، يواجهون منفردين، وباللحم الحيّ، وبحفنة ليرات لا يزال معظمهم يتقاضون رواتبهم بها، سبل البقاء على قيد الحياة الكريمة، إن لم نقل على شبع.
شعب بـ”إمو وأبوه” مرميّ على قارعة المواجهة مع “تجّار الأزمات” بمفرده، لا أحد يخبره الحقيقة، أو يحمل معه بعض أثقال صليب الحياة، فيما الدولة في غيبوبة، وليست في غياب. لا مسؤول يشرح بصدق، ولا رئيس يخبر الناس عن مصير البلاد والعباد والاقتصاد. ولكن جميعهم متفقون على أن مصالح الناس، ولقمة عيشهم، هي آخر همومهم، وأن حبة دواء مريض واستشفاءه، والقليل من نور يستجديه ربّ عائلة مع “عطف مدولر” من رحمة مولد الحيّ، يقع في أسفل لائحة أولوياتهم الإنسانية والإجتماعية، وبنود برامج الجلسات الحكومية والوزارية والنيابية.
فبعد الارتفاع الدراماتيكي لأسعار صرف الدولار في اليومين الأخيرين، تبدّل مزاج أصحاب المولدات وتجرأ معظمهم على إصدار فواتيره بالدولار بحجة ارتفاع أسعار المازوت، فيما أصدر بعضهم فواتيره باللبناني ولكنه ما لبث أن رفعها مع تبدّل سعر صرف الدولار، فيما آخرون عمدوا الى تسعير الفاتورة على أساس 50362 ليرة للدولار الواحد لفواتير شهر كانون الثاني، وهو السعر الوسطي الذي احتسبت وفقه الوزارة المصاريف التشغيلية ما بين 40 الفا مطلع كانون و60 الفا في نهايته. لكن اصحاب المولدات قرروا الاحتساب على دولار الخمسين الفا ليزيدوا من اعباء المواطنين. وقسموا الرقم باللبناني على 50 الفا لتزيد الفاتورة في حدها الادنى نحو عشرة او عشرين دولارا.
وحددت الوزارة السعر العادل لتعرفات المولدات الكهربائية الخاصة لشهر كانون الثاني، بـ19641 ليرة لكل كيلواط ساعة للمشتركين بالعدادات في المدن أو التجمعات المكتظة أو على ارتفاع أقل من 700 متر، وبـ21605 ليرات لكل كيلواط ساعة للمشتركين بالعدّادات في القرى أو المناطق المتباعدة أو على ارتفاع أكثر من 700 متر. التعرفة مبنيّة على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت (20 ليتراً) في شهر كانون الثاني البالغ 653056 ليرة وذلك بعد احتساب كافة مصاريف وفوائد وأكلاف المولدات بالإضافة إلى هامش ربح جيد لأصحابها. “كما تأخذ في الاعتبار احتساب مكوّنات أساسية ككلفة الزيوت والفلاتر وتهالك المولد والمعدل الوسطي الشهري لسعر الدولار في السوق الموازي الذي بلغ 50362 ليرة”.
“النهار” تواصلت مع وزارة الطاقة فأكدت مصادرها أن مهامها تقتصر على التسعير، فيما مهمة وزارة الاقتصاد المتابعة الميدانية إن كان ثمة شكاوى محددة. ولكن وزارة الاقتصاد التي يبدو أن عديدها متواضع جداً، تحاول قدر المستطاع فرض سيطرتها عبر تسطير محاضر بالمخالفين هذا إن استطاعت الى ذلك سبيلاً. فالشكاوى التي تصل الى مصلحة حماية المستهلك بالمئات، ويكاد هاتف المصلحة لا يهدأ من كثرة الاتصالات، أما الشكاوى فتشمل المناطق كافة، فيما يعمد مراقبو مصلحة حماية المستهلك الى تنفيذ ما تيسّر منها عبر تسطير محاضر بالمخالفين وإرسالها الى القضاء.
بعض المعنيين في الوزارتين (الطاقة والاقتصاد) يضعون اللوم على البلديات التي لا تتعامل بحزم مع أصحاب #المولّدات خصوصاً أنها لا تعمد الى مصادرة مولداتهم، علماً بأن في إمكان البلدية تسطير محاضر ووقف المولدات عن العمل شأنها في ذلك شأن وزارة الاقتصاد، كما أن في إمكانها تسطير محاضر ضبط بالأسلاك الكهربائية التي يمدّها هؤلاء لوصلها الى المنازل، وكذلك تسطير محاضر ضبط بمكان تثبيت المولد.
أصحاب المولّدات: الحلّ بالدولرة
أفضل تعبير عن سوء واقع الحال، ما جاء على لسان ثمانيني، فاجأته فاتورة المولد المدولرة، إذ قال: “كنا طوال العمر ومعاناته، وضيق الأيام وذات اليد، وفوضى الحرب الأهلية، نفقد ونفتقد الدولة، والرعاية الاجتماعية، لكننا مرة، لم نفتقد… الرحمة”. فهل فقد أصحاب المولدات الرحمة؟
“النهار” تواصلت مع أكثر من واحد أصحاب المولدات ولكنهم رفضوا التصريح ومن بينهم رئيس تجمع أصحاب المولدات في لبنان عبدو سعادة الذي أكد أنه لم يعد له أي علاقة بتجمع أصحاب المولدات، علماً بأنه كان قد صرّح سابقاً إثر سقوطه في الانتخابات النيابية أنه “لم يعد لي أي علاقة بتجمع أصحاب المولدات لأنهم انتخبوا جلّاديهم ولم ينصفوا من وقف إلى جانبهم”. ولكن أحدهم قال “فليتفضّل وزير الطاقة ويضع تسعيرة المولدات بالدولار، حتى لا يضعنا بمواجهة الزبائن. المواطنون على حق، ونحن أيضاً على حق. والحلّ بالدولار الذي أصبح ينسحب على القطاعات كافة، فلمَ لا ينسحب علينا”.
ولكن رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية المهندس محمد درغام ينفي كل هذه “المزاعم” ويؤكد أن مهمة البلديات مؤازرة الوزراة في مهامها الميدانية، وأكثر فإنه كرئيس لاتحاد بلديات الضاحية أكد أنه كان قد تقدم بشكاوى للمدّعي العام المالي تتعلق بمخالفة بعض أصحاب المولّدات للتسعيرة التي تضعها وزارة الطاقة، لافتاً الى أن المشكلة هي في قيمة محاضر الضبط التي لا تتجاوز المئة مليون ليرة وهذا رقم بسيط نسبة الى الفواتير الحالية التي يدفعها المواطنون، والحق أنها يجب أن تتجاوز المليار ليرة عن كل مخالفة، وتكرار الضبط إذا تكررت المخالفة”.
واستغرب وضع المسؤولية على البلديات، فيما محاضر الضبط ومصادرة المولدات هي من صلاحيات وزارة الاقتصاد، ودور البلدية يقتصر على تشغيل المولدات في حال مصادرتها من الوزارة.
ولا يجد درغام حرجاً في وضع اللوم على المواطنين الذين يشتكون أصحاب المولدات، ولكنهم في المقابل يرفضون الإدلاء بأسمائهم أو أسماء أصحاب المولدات موضوع الشكوى. فالشكاوى وفق ما قال يجب أن تكون واضحة الأسماء ومستوفية المعلومات، وأن يقدّمها المشتكي في قلم البلديات كي تتابَع مع وزارة الاقتصاد، ولكنه في المقابل سأل “أين عديد وزارة الاقتصاد للمتابعة الميدانية؟”. وقال “وزارة الاقتصاد غائبة، فيما القضاء يعتكف عن العمل بين الفترة والأخرى، وتالياً لا يمكن مصادرة أي مولد إلّا بقرار قضائي”.
وحمّل درغام جميع الجهات نتيجة وأعباء هذا التخبّط، فوزارة الطاقة حدّدت سعر 50 ألف ليرة للدولار الواحد لأصحاب المولدات فيما الدولار غير ثابت وصاحب المولد يشتري المازوت بالدولار… أما المواطن فلا حول ولا قوة له”. ولكن هل الحل بدولرة تسعيرة المولدات؟ لا يوافق درغام على هذا الطرح، “فعملتنا الوطنية هي التي يجب أن تكون مسيطرة على القطاعات كافة لا المولدات فقط، ولكن الحل الوحيد هو تثبيت سعر الصرف”.
المصدر : النهار