يفترض أن تبدأ الاثنين الاستجوابات في قصر العدل مع شخصيات مالية ومصرفية بعد حضور وفود القضاة الأوروبيين (من فرنسا، ألمانيا واللوكسمبورغ) الى بيروت بعد ان استكمالت التحضيرات والاجراءات الإدارية واللوجستية لمواكبة مهمتهم بعد الاتفاق على خطة عمل موحدة تعتمد في مرحلة التحقيق الأولى من الاثنين الى الجمعة، بعدها تعقد الوفود الأوروبية اجتماعات للتقييم واتخاذ القرار إذا كانت المرحلة الثانية ستبدأ الأسبوع الذي يلي، الجدير بالذكر ان الوفد الألماني سمح له أن يطّلع على الملف اللبناني المتعلق بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والذي حققت فيه النيابة العامة التمييزية دون أن تصوره لكن تم تصوير تقرير القاضي جان طنوس الذي قاد التحقيقات الأولية في هذا الموضوع والذي يتضمن خلاصة عن التحقيقات التي أجراها تقريبا 20 صفحة وإذا أراد القضاة تصوير أمر آخر يجب أن يقدموا طلب خطي لمدعي عام التمييز ليوافق أو لا.
واعتبرت مصادر قضائية ان النتائج ستخدم مسار التحقيق الذي يجريه القضاء اللبناني لأنه سيطّلع على كل المعلومات المتوفرة للقضاء الأوروبي وسيبني عليها إجراءاته في المرحلة المقبلة.
لكن السؤال كيف سيتعامل لبنان مع الوفد القضائي الأوروبي؟ ما هي المقاربة القانونية لهذه الخطوة؟ علام تدلل؟ وما هي خطورتها بالنسبة للبنان؟ وهل بإستطاعة القضاة الأوروبيين اتخاذ إجراءات بحق المستجوبين أو بعضهم كالادّعاء عليهم وتوقيفهم؟
يوضح مصدر قضائي انه «لا يمكنهم اتخاذ مثل هذه الاجراءات في لبنان لكن بعد عودتهم الى بلادهم بعد تقييم التحقيقات وإذا توفرت لديهم أدلة ومعطيات عن توفر جرم تبييض الأموال بحق أي منهم ستفرض إجراءات في أوروبا وليس في لبنان، لكن لبنان سيصبح معنيا بهذه الاجراءات في حال صدرت مذكرات توقيف غيابية وجرى تعميمها عبر الانتربول الدولي وأرسلت النشرة الحمراء الى لبنان».
في الجانب القانوني رأى رئيس مؤسسة جوستيسيا القانونية المحامي الدكتور بول مرقص انه «رغم إقرارنا المطلق بضرورة مكافحة الفساد وتفعيل التحقيقات القضائية عموماً، بسبب الفساد المتفشي، إلا أنه ثمّة تعاون لإجراء التحقيقات القضائية عندما يكون الأمر بين دولتين أو أكثر مع مراعاة المرتكزات الأساسية لسيادة الدولة في القانون المحلي التي يجب إحترامها. هذا ما يتوافق مع أحكام المادة /49/ من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والموقّعة من قبل لبنان عام 2009، التي تحثّ الدول الأطراف على توقيع إتفاقيات ثنائية ومراعاة مبدأ السيادة المحليّة ورغم التشجيع على توقيع ما تقدّم من اتفاقيات، ففي حال رغبت دولة أجنبية طرف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في إجراء تحقيقات و/أو استجوابات في لبنان، يتوجب عليها أن تطلب ذلك عبر السلطات اللبنانية المختصة وفق آلية الطلب المحددة في المادة /46/ من الإتفاقية عينها، وهي النيابة العامة التمييزية. ومن السوابق على ذلك قضية رجل الأعمال كارلوس غصن الذي استجوبه القضاء الفرنسي في لبنان وسواها من القضايا كقضية ساركوزي والأموال الأفريقية وغيرها من القضايا يبقى للدولة متلقية الطلب حق رفض تقديم المساعدة القانونية المتبادلة إذا لم يقدم الطلب وفقاً للأصول المفروضة أو إذا رأت الدولة الطرف متلقية الطلب أن تنفيذ هذا الطلب قد يمسّ بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الأساسية الأخرى، استناداً إلى الفقرة 21 من المادة 46 عينها».
وشدّد مرقص على أن الدستور اللبناني يكرّس في مقدمته مبدأ سيادة الدولة اللبناني:
«Principe de souverainte de l`etat» وكذلك قانون العقوبات اللبناني بحيث لا تخضع الدولة لأي سلطان إلا في ما تتّفق عليه من تعاون قضائي مع دولة أو دول أخرى كما بالنسبة لاتفاقية الأمم المتحدة ١٨٦ لمكافحة الفساد التي وقّعت عليها ٢٠ دولة عرب والتي رغم أنها تنص على مبدأ احترام السيادة القانونية لكل دولة إلا انها في موادها الأخيرة تنص على إجراءات تعاون قضائي برضى الدول الموقّعة من شأنها أن تجيز الاستجواب. علماً أن لبنان كان قد وافق على مباشرة التعاون هذا منذ بضعة سنين قبل أن تبلغ الوفود القضائية الأوروبية عزمها المجيء بذاتها إلى لبنان.
هذا وكانت سبقت الزيارة موجة من الاستياء والانتقادات لأن الوفود الأوروبية أخبروا لبنان انهم سيحضرون وسيستجوبون شخصيات لبنانية لتحديد مصادر أموال سلامة الموجودة في مصارف أوروبية وبتحويلات مالية حصلت من لبنان الى الخارج خلال السنوات الأخيرة، بشكل منفرد من دون تدخل من القضاء اللبناني الأمر الذي أثار استياء القضاة اللبنانيين واعتبروا هذا الأمر تدخلا بالعمل القضائي اللبناني ومصادرة لدوره بعدها حصلت اتصالات وتعدّلت مهمة الوفد القضائي وعادت الأمور الى مسارها الصحيح.
المصدر : اللواء