يشتدُّ التعقيد في ملف إقرار سلفة شراء الفيول والغاز أويل لمعامل إنتاج الكهرباء. فشحنة الغاز أويل لا تزال عالقة في البحر. وإن كان المسار القانوني لإتمام إنزالها إلى البرّ يشهد جموداً، فالسياسة هي القفل والمفتاح. على أنَّ تجاوز عقدة السياسة بتسوية آتية مهما تأجَّلت، لا ينفي وجود خبايا ترافق مناقصة الشراء.
عقد غامض
أنجزت هيئة الشراء العام سلطتها الرقابية على مضمون المناقصة التي أجرتها وزارة الطاقة وتشمل ثلاثة عقود. العقد الأوّل لتأمين فيول Grade A والثاني لتأمين فيول Grade B والثالث لتأمين غاز أويل.
شحنة الغاز أويل التي أتت بها شركة “فيتول بحرين” Vitol Bahrain E.C، تنتظر راهناً في البحر لإنهاء معضلة إقرار سلفة خزينة بنحو 62 مليون دولار. ويترتَّب عن كل يوم تؤخِّر فيه السلطة السياسية دفع ثمن الشحنة وتفريغها، غرامات تأخير. فلمن تذهب تلك الأموال؟
إن كانت هيئة الشراء العام قد اطّلعت على دفتر شروط المناقصة وتفاصيلها، إلاّ أن “عقداً على هامشها بقي في عهدة وزارة الطاقة، ولا يندرج ضمن دفتر شروط المناقصة، ولذلك لم يُعرَض على الهيئة”، وفق ما تقوله مصادر متابعة للملف، في حديث لـ”المدن”.
وتوضح المصادر أن “هناك عقداً يسمّى عقد المُشارَطة، يوقَّع بين الشركة التي تعاقدت معها الوزارة لشراء الفيول، وبين الشركة الناقلة له. وتطّلع الوزارة على العقد لتعرف شروط نقل الفيول. وفي العقد، تُحدَّد الجهة المستفيدة من الغرامات. ولهذا، فإن التفاصيل في أدراج الوزارة”.
بالتوازي، لا تخفي المصادر “إمكانية وجود صفقة ما للاستفادة الجانبية من الغرامات”. وهو ما يطرح تساؤلات حول مسارعة الوزارة إلى إبرام العقود قبل التأكُّد من إقرار السلفة بشكل نهائي. لكن “تأكيد وجود صفقة، هو أمر لا يمكن حسمه بسهولة. ففي الغالب يتم الاتفاق على العمولات بشكل ضمني بين المتعاقدين أو وكلائهم”.
غرامات بلا نهاية
ليست هوية المستفيد من غرامات التأخير، وحدها الأزمة، بل قيمة الغرامات أيضاً. ويقول وزير الطاقة وليد فيّاض أن غرامات التأخير تبلغ 20 ألف دولار يومياً. فيما الحقيقة أكثر عمقاً وتشعّباً.
تنصّ العقود على أن غرامات التأخير تبلغ كحدٍّ أقصى 18 ألف دولار يومياً لكل شحنة. أي 18 ألف دولار لشحنة الفيول أويل Grade A و18 ألف دولار لشحنة الفيول أويل Grade B. أما الغاز أويل، فسيأتي بشحنتين، حجم كلّ واحدة نحو 33 ألف طن متري، وغرامة التأخير هي 18 ألف دولار يومياً لكل شحنة، أي 36 ألف دولار للشحنتين. وبذلك، يبلغ مجموع الغرامات التي يمكن أن تترتَّب، 72 ألف دولار يومياً.
لا يتوقَّف الأمر عند هذا الحدّ، فالغرامات قد لا تُحَدّ بسقف زمني. بمعنى آخر، إن العقد نصّ على قيمة الحد الأقصى اليومي للغرامة، لكنه لم يحدِّد المدة الزمنية الأقصى لانتظار البواخر. وعليه، يمكن أن تبقى البواخر بضعة أشهر في البحر، وتسجِّل خلالها غرامات يومية.
عدم تأجيل العقد
بوجود عوائق تؤخِّر أو تمنع إقرار السلفة، كان يمكن لوزير الطاقة تأجيل تسليم الشحنات وتفادي الغرامات “فالنبذة (ب) من الفقرة الأولى من المادة 25 من قانون الشراء العام، تنص على أنه يمكن للجهة الشارية أن تلغي الشراء و/ أو أيّ من إجراءاته في أي وقت، قبل إبلاغ الملتزم المؤقت إبرام العقد، عندما تطرأ تغييرات غير متوقَّعة على موازنة الجهة الشارية”.
وأكثر من ذلك، وُقِّعَت العقود قبل فترة تتراوح بين 6 إلى 10 أيام من انتهاء صلاحيتها، فكان بإمكان الوزير تمديد صلاحية العروض وتأجيل توقيع العقد. أي أنه “لم يستعمل عند صياغة العقود الحق المعطى له في دفتر الشروط الخاص بالصفقة بتأجيل تواريخ التسليم إلى مواعيد ممكنة التحقيق ولا تُلحِق الضرر بالمال العام”.
تأييد مخالفة القانون
رُتِّبَت العقود بصورة مخالفة للقانون. ومع ذلك، فإن بعض النواب لا يؤيّدون تطبيق القانون، سيّما المادة 112 من قانون المحاسبة العمومية، التي تنص على تحمُّل الوزير كلفة العقود من ماله الخاص. وعدم التأييد يأتي “رغم الإقرار بأن فيّاض خالَفَ القانون بطلبه الفيول قبل تأمين الاعتماد اللازم. فيما يرى فيّاض أنه تعرَّضَ للخداع من قِبَل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين وافق على السلفة”.
والدفاع عن فيّاض “حَصَلَ خلال جلسة للجنة الأشغال النيابية التي طلبت الاستماع إلى الوزير ولرئيس هيئة الشراء العام جان العلية، الذي طالب بتطبيق قانون المحاسبة العمومية. وخلال الجلسة، جرى تأكيد البعض على أن الوزير لن يدفع شيئاً من جيبه، وإن ارتكب خطأ شخصياً، فلا أحد قبله دفع من جيبه رغم مخالفة القوانين”.
لا يريد العلية الدخول في سجال حول هذا الملف. لكنّه يؤكّد لـ”المدن” أن “طريقة مقاربة اللجنة للملف كانت سياسية بامتياز”. فضلاً عن أنه لم يحصل على “الوقت الكافي ليشرح التفاصيل والمخالفات التي ارتكبها الوزير”. ومع ذلك، يلفت العلية النظر إلى أنه لن يتوقَّف عند ما حصل في اللجنة، وسيتابع عمله في هذا الملف. وفي السياق طَلَبَ العلية “بعض المستندات الإضافية من وزارة الطاقة”.
المخالفات القانونية التي يضاف إليها عدم عرض الوزارة للعقود على ديوان المحاسبة لإجراء الرقابة المسبقة، لا تنتظر تصحيح الخلل والعودة إلى القانون وتحميل المسؤوليات لأصحابها. بل تنتظر تسوية سياسية قريبة تحمل الفيول إلى المعامل. ولذلك، تحرّكت عملية ترتيب اجتماع لمجلس الوزراء للبت بالسلفة. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يصرّ على عدم تمرير السلفة إلا بمرسوم في مجلس الوزراء، والتيار الوطني الحر يتمسّك بعدم المشاركة في الجلسة لعدم دستورية انعقادها، فيما الثنائي الشيعي سيشارك. ولحين حسم أمر السلفة، يستمر تسجيل غرامات الانتظار.
المصدر : المدن