“وشو نفع شوف مين السبب، ما بقى يفيد شي، هيدا البلد هيك”. بكلمات يملؤها الحزن واليأس اختصر والد الفتاة ماغي محمود معاناة أهل طرابلس في حديث سابق مع “النهار”. ماغي الفتاة البالغة من العمر 16 عاماً توفيت نتيجة إهمال لم تُحدّد مسؤوليته بعد، وذلك نتيجة انهيار سقف قاعة التدريس على رأسها في جبل محسن.
واليوم، نواجه السيناريو ذاته بسبب وجود نحو سبعة مبانٍ أخرى معرّضة للانهيار والتسبّب بكارثة جديدة إذا لم يتم تدارك الموضوع سريعاً؛ وإذا لم تتحرّك الجهات المسؤولة، وفي مقدّمهم وزارة التربية، فـ”التلاميذ رح يموتوا!”، بحسب ما يقول نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب.
دعوات النقيب للتحرّك
يحذر نقيب المهندسين في الشمال بهاء حرب في حديث مع “النهار” من التقاعس في متابعة ملف الأبنية المهدّدة بالسقوط، خصوصاً ال#مدارس الرسمية، لأنّ الإهمال وعدم تدخل وزارة التربية في هذا الأمر بشكل حازم يعني أننا أمام كارثة جديدة في الأفق، وأن سقوفاً ستسقط على رؤوس التلامذة، علماً بأنه لا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أن وزير التربية عباس الحلبي قد فوّض نقابة المهندسين في الشمال سابقاً بالكشف على المدارس الرسمية، التي قد تكون مبانيها خطراً على الطلاب؛ وقد أفادته النقابة بالتقارير والتوصيات اللازمة.
أما في ما يتعلّق بالمدارس الخاصّة، فالمالك هو المسؤول وليس الدولة، يقول حرب. ويُضيف: “كنقابة، تحمّلنا مسؤوليتنا على أكمل وجه. أرسلنا الدراسات المتّصلة بالبنى التحتيّة، وكتاباً إلى كلّ من مجلس النواب، وإلى رئيس لجنة الأشغال، وإلى كلّ من وزير التربية والأشغال، حذّرنا من وجود مبان تُستخدم كمدارس، وهي غير مؤهلة للسكن، والتلاميذ معرّضون فيها لخطر الموت”.
وبحسب مستندات وتقارير ووصف نقابة مهندسي الشمال، فإن المباني المدرسيّة التي تشكل خطراً كبيراً على الطلاب عددها 7:
– مدرسة سليمان بستاني الرسميّة للبنات في القبة: “وضعها كارثيّ للغاية، ويجب إقفالها، نظراً لخطورة المبنى وفقدان السلامة العامة بالكامل، خاصةً أن مالك البناء السيد قطحان ميقاتي لا يريد الترميم منذ زمن طويل، ويتركها للسقوط ليستفيد من بناء جديد آخر في هذا العقار”، وفق التقرير الذي أكّد أنه “لم يتوقف التدريس إلا بعد الحادثة المؤلمة التي حصلت في مدرسة الأميركان بجوارها”.
– مدرسة أبي فراس الحمداني المختلطة الرسمية في جبل محسن: بحاجة إلى ترميم بنسبة 80 في المئة، ولا يجوز تشغليها قبل إجراء الترميمات اللازمة”.
– مدرسة ابن راشد الرسمية للبنات – القبة – البقار: يجب ترميم الغرف والدرج والحمّامات والتمديدات الصحيّة وسقف الملعب وأرضيّته ومنع النشّ.
– مدرسة ابن سينا الرسمية للصبيان في القبة-الزيتون: يجب ترميم الغرف، المختبر، جميع الواجهات، النوافذ المهترئة، النش، تشقٌّق أرضيّة الملعب والسور الخارجي.
ثانوية طرابلس الرسمية للبنات – بساتين طرابلس: يجب ترميم الغرف وسقف الملعب وأرضيّته والسّور الخارجي وقاعة الرياضة والمستودع والمختبر.
– مدرسة الهدى الرسمية للصبيان – منطقة المهايترة: يجب ترميم السور والملعب وحائط الدعم لجهة القلعة، فهو مصدّع. كذلك يجب إصلاح المراحيض والحمّامات وموقع النشّ وما يسبّبه من تآكل لهيكل المبنى.
– مدرسة القبة الجديدة الرسمية المختلطة – القبة: يجب تكسير الفجوات من الرصاص، ومعالجة النشّ وتسرّب المياه وإزالة ضررها، وترميم السور، وإجراء الدهان العام وتلبيس بعض الواجهات”.
– الجامعة اللبنانية-كلية الحقوق في راسمسقا: من الواضح بالصور المرفقة عدم سلامة هيكل البنى التحتية وتفكّكه وسقوط أجزاء منه. وفي الآونة الأخيرة، بدأت الجسور تتفسّخ، والزجاج يتكسّر، ونطالبهم بإخلائه فوراً خوفاً من حدوث كارثة كبيرة تلحق بطلاب الجامعة على غرار ما حدث في مدرسة “الأميركان”، في حين ما يزال التجاهل هو الموقف الذي تتّخذه الإدارة.
ويضيف تقرير النقابة في هذا السياق أن العقد غير مجدّد، وبالتالي وضع الكلية غير شرعي، وتستعمل البناء من دون عقد، أي بصفة احتلال له، خاصة أنّ المالك لا يقبل بتوقيع العقد، لأنّه لو حصل ذلك سيعتبر هو المسؤول عن سلامة المبنى وتشريعاً لهم بالبقاء واستعماله”.
انطلاقاً من هذا الواقع، أوصت النقابة بضرورة إخلاء مبنى الجامعة اللبنانية، وطلبت القيام بإجراء الترميم الشامل لها ولمبان أخرى، وإلا فإنّ أرواح مئات من الطلاب ستكون تحت سقوف الموت.
ملف مدرسة الأميركان
هذا التهديد اليومي الذي يرافق شباب وشابات مدينة طرابلس، يعيد إلى الواجهة كارثة مدرسة الأميركان. ففي 2 تشرين الثاني الفائت، أبرز صور الإهمال وفساد السلطة ظهرت في طرابلس، عندما وقعت كارثة “ثانوية طرابلس المختلطة الثانية الرسمية”، المعروفة بمدرسة “الأميركان”، والتي أودت بحياة الفتاة ماغي محمود في داخل صفها.
وجاء في تقرير نقابة المهندسين المُرسل إلى رئيس لجنة الأشغال العامة في مجلس النواب، وحصلت “النهار” على نسخة منه، أنّ “صاحب المبنى هو عبداللّه محمد أحمد القاضي. اشتراه عام 2008، وتقدّم سـنة 2016- 2017 بطلب رخصة من البلدية بحجة بتغيير الأبواب والشبابيك وتكحيل بعض الفسوخات. لكنّ المالك تجنّب، وربما عن قصد، تقديم طلب تعديل وإضـافات على المبنى، لأن طلباً كهذا يستوجب تقديم خرائط كاملة لأعمال التعديل ودراستها إنشائياً ومعمارياً إلخ… وتُدرس من قبل النقابة قبل إعطاء أمر المباشـرة وبعد إتمام الأعمال ومطابقتها للواقع.
لكن المؤسف أنّ المالك أجرى تعديلاً كبيراً في المبنى، فأزال الجدار الحامل بين الصّفين تاركاً القطعة العلويّة منه، ثمّ قام بأعمال التوريق والصّبغ، ممّا حجب الانتباه عن خطورة ما قام به. وهذا، بحسب تقرير نقابة المهندسين يُعدّ تلاعباً بالترخيص الذي حصل عليه، ممّا يجعله المسؤول الأول عمّا حصل، لأنه صاحب البناء. لهذا من المتوجب استدعاؤه، وأخذ كامل إفادته لمتابعة التحقيق والتدقيق في التفاصيل”.
وفي ما يخصّ دور وزارة التربية أتى في التقرير أنّ “الفريق المهني والهندسـي للوزارة لم يقم بالمعاينة وفق الأصـول الهندسية للكشـف الذي كان من المفترض أن يقوموا به مثل “تحميل الأوزان، قوة الخرسانة، كيفية تشغيل المبنى إنشـائياً ومعمارياً”. ولكن الحديث كما ورد على ألسنتهم “كانت جولة تفقدية عامة، وأفادوا بأن المبنى صـالح”، فيما واقع الحادث كما هو ثابت، ولا شـكّ فيه، ومبيّن بالصـور المرفقة، أن إزالة الحائط بين الغرفتين هو خطأ هندسـيّ فادح في الهيكل الإنشـــائي، ومؤثر على السلامة العامة؛ وأن القسم العلوي المتبقّي انهار لأنّه معلّق بورقة إسمنتية إسمنتية، فوقعت الحجارة على الطالبتين ماغي محمود وشـذى درويش، وتوفيت الأولى وأصيبت الثانية بكسور كبيرة”.
وخلص تقرير نقابة المهندسين إلى الطلب بالتوسّع في التحقيق مع المالك عبدالله محمد القاضي.
مؤتمر السبت
ومن المقرّر أن تعقد نقابة المهندسين مؤتمراً يوم السبت المقبل، بمشاركة وزير الداخلية بسام مولوي وعدد من النواب، يتناول موضوع الأبنية المتصدّعة والمدارس، بحضور عائلة ماغي محمود.
العائلة المفجوعة
هذا، ويؤكّد والد ماغي محمود لـ”النهار” أنّ العائلة اتّخذت جميع الإجراءات القانونية، وادّعت على كلّ من يظهره التحقيق مسؤولاً في هذه القضية، وأضاف: “ليس لدينا أسماء معيّنة، ننتظر ما ستؤول إليه التحقيقات”.
الجمعيات الأجنبية في خدمة طرابلس
وفي ظلّ تقاعس الدولة الفاضح، علمت “النهار” بأنّ جمعية ايطالية حصلت على موافقة من وزارة التربية لإعادة ترميم بعض المدارس المهدّدة بالانهيار، من أبرزها مدرسة “سليمان الرسمية”. ومن المقرر أن تبدأ ورشة العمل في بداية هذا العام، لكنّ لائحة الترميم لن تشمل جميع المؤسسات التربوية التي أشرنا إليها سابقاً، ليبقى مصير طلاب هذه المؤسسات والمدارس مرهوناً بمبادرات الدولة، ووزارة التربية المعنية مباشرة بالملف.
المصدر : النهار