“بح” كهرباء ووعود وزير الطاقة وليد فياض بتحقيق إنجاز كهربائي ولو جزئياً ضاعت بين حسابات السياسة وتطبيق القانون، فضاعت معها الآمال والأموال، وأهدى مسؤولو لبنان لشعبهم عتمة إضافية على الأعياد.
بلد يعيش في فوضى “نقدية” و”تسعيرية” و”نفطية” و”مؤسساتية” مخالفة للقانون، رئاسته فارغة، حكومته نصف شرعية، مجلسه خارج التشريع، حدوده فالتة، وبالكاد الوضع الأمني فيه ممسوك، تصرّ وزارة المال، بالرغم من أحقية موقفها، على تطبيق حد القانون على موضوع تمويل الكهرباء، فيما المخالفات والتواقيع غير القانونية تحصل بالجملة على أمور أقل أهمية لا بل غير ذات أهمية، اللهم إلا تلك التي فيها مصالح وإفادة.
فإلى أين ستؤول الأمور؟ سرت في اليومين الماضيين أخبار إيجابية عن أن مصرف لبنان سيعد رسالة الضمانات المتعلقة بسلفة للكهرباء بقيمة 62 مليون دولار ويرسلها الى شركة “فيتول” بعد موافقة وزارة المال عليها، ولكن هذه الأخبار سرعان ما تبددت أمس، بدليل أن مصرف لبنان لم يعد الرسالة التي كان يفترض أن تتسلمها الشركة أمس على أن تُفرغ تباعاً شحنتان من الغاز أويل بحمولة نحو 39 ألف طن للواحدة في خزانات معملي دير عمار والزهراني. وفي التفاصيل أن وزير الطاقة وليد فياض استحصل من رئاسة الحكومة على خطاب موافقة استثنائية لسلفة مالية لمؤسسة الكهرباء على أن يتم لاحقاً تحضير مرسوم بهذا الخصوص يُعرض على مجلس الوزراء على سبيل التسوية. وما إن أصبحت الموافقة في عهدة الوزير فياض حتى أبلغها الأخير الى وزير المال يوسف الخليل طالباً منه توجيه رسالة الى مصرف لبنان يعلن فيها قبول السلفة، وتالياً يحضه على إعداد رسالة ضمانات بغية تسليمها الى شركة “فيتول” لإفراغ حمولتها من الفيول أويل. ولكن بعد دراسة متأنية واتصالات بين المعنيين وبينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تبيّن استحالة تسليم هذا المبلغ من مصرف لبنان من دون مرسوم من مجلس الوزراء خصوصاً في ظل غياب التشريع من مجلس النواب للمبلغ. وعلم أن وزارة المال في انتظار معالجة الموضوع والبت النهائي بشأن المرسوم.
وأكد فياض لـ”النهار” أن “وزير المال لم يصدر أمراً لمصرف لبنان بإصدار خطاب الائتمان من دون أن يبرر الأسباب خطياً، ولم يقل صراحة إنه في حاجة الى مرسوم، بل اكتفى بالقول إنه تجري دراسة الموضوع بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب للخروج بآلية قانونية تتيح لوزارة المال وتالياً لمصرف لبنان السير بسلفة الكهرباء”. وأشار الى أن الدولة اللبنانية يُفترض أن تدفع غرامة التأخير demurrage التي تقدر بنحو 20 ألف دولار عن كل يوم توقفت فيه الباخرة قبالة شاطئي الزهراني ودير عمار.
من جهته، أكد مصدر في مصرف لبنان أن الأخير لم يصدر بعد رسالة الضمانات المتعلقة بسلفة الكهرباء في انتظار وزارة المال التي لم توقع بعد على سلفة الخزينة، وتالياً لا يمكن لمصرف لبنان إصدار أي ضمانة دون سلفة خزينة موقعة حسب الأصول، مؤكداً أن “المركزي” عند وعده بإعطاء الضمانة فور ورود قرار إعطاء سلفة خزينة.
ما الحل؟ الحكومة ممنوع عليها الانعقاد لإصدار المراسيم، والمرسوم الجوال سيدخل في لعبة التعطيل باعتبار أن المرسوم ينطلق من رئاسة الجمهورية باتجاه رئاسة الحكومة مروراً الى وزير المال وصولاً الى الوزير المختصّ، وفي حالتنا المزرية غياب رئيس الجمهورية عن توقيع المرسوم سيدخله في بازار المزايدات السياسية والطائفية وغياب التوقيع المسيحي الاول في الدولة كما حصل مع المراسيم التي صدرت أخيراً عن الحكومة بعد جلستها اليتيمة الاخيرة.
يؤكد رئيس مؤسسة جوستيسيا بول مرقص أن “بدعة المرسوم الجوال لا يمكن تطبيقها راهناً، فتطبيقها اقتصر على فترة الحرب حيث لم يكن في الإمكان التنقل وانعقاد مجلس الوزراء”، موضحاً أن المادة 62 من الدستور “تخوّل مجلس الوزراء ممارسة صلاحيات الرئيس في حال الضرورة القصوى، إن لم يكن هناك مخرج آخر”.
وزير الطاقة كان قد وعد برفع ساعات التغذية الى ما بين 8 و10 ساعات يومياً إذا استطاع تأمين تمويل من مصرف لبنان بنحو 600 مليون دولار لكهرباء لبنان، ولكن الأخير لديه شكوك في إمكان نجاح خطة تحصيل التعرفة التي تمت زيادتها كالآتي: 10 سنتات لأول 100 كيلوواط/ساعة، 27 سنتاً أميركياً لكل استهلاك يزيد عن 100 كيلوواط/ ساعة، إضافة الى التعرفة الشهرية الثابتة وهي 21 سنتاً أميركياً لكل أمبير، و4.3 دولارات بدل تأهيل، على أن تُحتسب التعرفة بالليرة وفق سعر صرف منصة “صيرفة” وترتبط بمؤشر سعر النفط العالمي، ولكن في حال نجاح خطة الجباية من الممكن أن يعيد مصرف لبنان النظر في قراره تقنين الأموال للمؤسسة، وفق ما تؤكد مصادر مصرف لبنان.
وقال فياض إنه طلب من وزارة المال أمس 40 مليون دولار للفيول “أ” و”ب” إضافة إلى نحو 54 مليون دولار للصيانة في الأشهر المقبلة في كل المعامل من ضمنها الزهراني الذي يحتاج إلى 30 مليون دولار وحده فضلاً عن معملي الزوق والجية، وهذه المبالغ تضاف الى المبلغ السابق الذي كان قد طلبه والذي يقدَّر بنحو 62 مليون دولار، كاشفاً أن “المصرف المركزي ردّ عليه بأن التمويل سيكون عموماً لكل الاحتياجات لتنفيذ خطة الكهرباء ضمنها الصيانة وشراء الفيول وغيرهما”.
مصادر مسؤولة في معمل الزهراني جزمت لـ”النهار” بأن تسديد المبلغ المخصص للصيانة سيكون حكماً بعد الأعياد فيما المبالغ المخصصة للفيول أويل قد يتم تسديدها قبل الأعياد. وأكدت أنه كلما تأخر تخصيص المبالغ لصيانة المعامل تأخرت اعمال الصيانة، علماً بأنه إذا توافر المبلغ راهناً فإن الصيانة لن تبدأ قبل آخر الصيف، على اعتبار أن قطع الغيار لم تعد متوافرة في المصانع العالمية بسبب جائحة كورونا، حيث كان يجري شراء قطع الغيار من دون أن تصنع المعامل غيرها بسبب الإقفال. وأوضحت أنه إذا حجزنا القطع من الآن يمكن أن نتسلمها آخر الصيف. وأكدت أن المبلغ المخصص للصيانة هو 60 مليون دولار بينها 30 مليون دولار لصيانة المجموعتين الاولى والثانية في الزهراني.
الباخرتان المحملتان بنحو 78 ألف طن (الباخرة الواحدة 39 ألف طن)، راسيتان قبالة الزهراني ودير عمار، ويفترض أن تؤمّنا ساعتي تغذية يومياً لنحو 40 يوماً… فهل يأتي الترياق من مرسوم جوال أو من تسوية على الطريقة اللبنانية تطيح القانون والدستور؟
المصدر : النهار