العرس الكروي العالمي اختُتم أمس على ملعب لوسيل في قطر بمباراة حماسية بين المنتخبين الأرجنتيني والفرنسي لم يغب التشويق عن شوطيها الأصليين والإضافيين، وكذلك في ضربات الترجيح التي حسمت الفوز للمنتخب الأرجنتيني ونجمه ليونيل ميسي.
فوز الأرجنتين باللقب للمرة الثالثة في تاريخها الكروي، وحصولها على النجمة الثالثة، حقق حلم النجم العالمي ميسي في رفع كأس البطولة للمرة الأولى والأخيرة في مسيرته الكروية وهو على مشارف الاعتزال، وبذلك أسدل مونديال قطر الستار على فعالياته بحفل أسطوري عكَس نجاح الدولة المضيفة في تنظيم البطولة التي حملت مفاجآت كروية لعل أبرزها وصول منتخب المغرب لأول مرة في تاريخه الى نصف النهائي وقد احتل المركز الرابع بالبطولة.
أما اللبنانيون الذين تابعوا بشغف هذا العرس الكروي رغم مآسيهم وأزماتهم، فسيعودون مرغمين إلى متابعة مونديالاً من نوع آخر على ملعب السياسة التي تمدد شوطا بعد شوط للشغور الرئاسي من دون تسجيل أي هدف حاسم يخرجهم مما هم فيه، فالتعطيل الممنهج للاستحقاق الرئاسي وما ينتج عنه من تداعيات على شتى الأوضاع المعيشية والحياتية، والاقتصادية على وجه الخصوص، لا زال سائدا بانتظار فرج قد يطول ويطول.
هذا التعطيل إضافة الى ما جرى مؤخرا على الساحة الجنوبية لاسيما حادثة العاقبية والاعتداءات على الأملاك الخاصة في بلدة رميش، دفعت البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الى رفع السقف مجدداً والمطالبة بوضع حد للسلاح المتفلت وغير الشرعي، مصوبًا سهامه باتجاه حزب الله، ومحملاً إياه مسؤولية كل ما يجري في لبنان بشكل عام والجنوب بشكل خاص، داعياً الى تشكيل لجنة تحقيق دولية لكشف ملابسات جريمة العاقبية ووضع حد لهذا السلاح.
مصادر متابعة لأجواء بكركي، وصفت ما يجري في الجنوب “بالمقلق والخطير الذي لا يمكن السكوت عنه”، وبررت في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية الخطاب العالي النبرة للبطريرك الراعي بالقول إنه “آن الأوان لرفع السقف عاليا لإسماع المجتمع الدولي صوتنا لأنه لم يبق غير صوت بكركي مرفوعا بوجه الظلم الذي يعمل على مصادرة أراضي القرى المسيحية”. المصادر طالبت القيادات المسيحية على اختلاف ميولها وانتماءاتها “بالوقوف خلف بكركي لدعم صمود الأهالي في الجنوب ووقف مسلسل مصادرة الأراضي الذي بدأ من لاسا ولم ينته في رميش”.
في هذا السياق توقع النائب السابق وهبي قاطيشا في حديث لجريدة “الانباء” الالكترونية ان “يكون لنداء البطريرك الراعي النتائج المرجوة منه مهما طال الزمن، لأننا أمام حزب مسلّح يمارس التهديد داخل الدولة، واجهناه بالانتخابات النيابية فأخفق النواب في مواجهته. واجهناه في انتخاب رئيس الجمهورية، فردّ علينا بالتعطيل مستخدما الورقة البيضاء”.
وتوقع قاطيشا أن “يكون لكلام الراعي هذه المرة الصدى الإيجابي على مستوى المجتمع الدولي” الذي لا بد أن يتحرك لوضع حد لما أسماه “بالفجور الذي يمارسه حزب الله بسلاحه غير الشرعي”. واعتبر ان مطالبة الراعي بالحياد “كانت نتيجة تراكمات لا يمكن السكوت عنها لأن كل الشعب اللبناني يرفض ممارسات حزب الله، الذي ينطلق بممارساته من معادلة رفض الدولة القوية لأنها تصادر سلاحه، ورفض اسقاطها ليستفيد من خيراتها”.
على خط آخر وبما يتعلق بالارتفاع المطرد للدولار الأميركي على حساب الليرة اللبنانية والذي لامس سعر 44 الف ليرة، أشار الخبير المالي والاقتصادي انطوان فرح إلى أنه “بالاضافة الى السبب الرئيس الذي يتسبب باستمرار ارتفاع الدولار، أي أزمة الانهيار التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات ونيف وعدم التوصل الى اتفاق على خطة إنقاذ وعلى خطة لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، هناك اسباب اضافية ظرفية تساهم في هذه المرحلة بارتفاعات اضافية بسعر الصرف”.
فرح وفي حديث إلى جريدة “الأنباء” الإلكترونية، عدد أبرز هذه الأسباب بالقول: “أولا، لجوء مصرف لبنان قبل ثلاثة أشهر إلى تكبير الكتلة النقدية بجمع الدولارات من السوق، وقد استطاع جمع حوالي 700 مليون دولار يتم استخدام القسم الأكبر منها لشراء الدولارات وهذا يشكل ضغط إضافي على الليرة. ثانيا، زيادة رواتب القطاع العام، وهذه الزيادة أدت إلى سيولة إضافية وإلى طلب إضافي على الدولار في السوق. والسبب الثالث فيرتبط بالفارق الكبير في أسعار السوق الحرة ومنصة صيرفة، وبالتالي هناك حشد كبير من الناس يلجأ إلى محاولة شراء دولار عبر صيرفة وهذا الأمر يشكل ضغطا على الليرة. اما السبب الرابع، ربما أن بعض الدولارات يتم تهريبها الى الخارج، إما بوضعها في حسابات خارجية وإما تهريبها إلى سورية التي يبدو انها تحتاج الى دولارات وتحاول أن تلجأ الى السوق اللبناني لجمعها”.
ورغم أن هناك فترة أعياد يحصل فيها ضخ كبير للدولار من قبل المغتربين والسياح الذين قدموا إلى لبنان، إلا أنه من الواضح أن ذلك ليس كافيا لوقف الارتفاع الطلب الشديد على الدولار، هذا إضافة إلى الارتفاع غير المبرر في اسعار السلع على اختلافها، إلى درجة تخطت في بعض الحالات أضعاف الأسعار التي كانت قبل الازمة، وهذا كله يطرح السؤال الأساسي: إلى متى بعد بإمكان اللبنانيين الصمود؟