لقد تضمن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي جملة مشاريع اصلاحية التزمت الدولة القيام بها من اجل وضع الاقتصاد والمالية اللبنانية على مربع انطلاق مسيرة انقاذ ما تبقَى من البلد ومن بقي من الشعب.
وبات من البديهي ان هناك حاجة ماسّة لاجراء اصلاحات اقتصادية عامة وشاملة وذلك نظراَ الى الانهيارات الجذريّة والعميقة في المالية العامة وتدهور سعر الصرف، مما اوجب العمل على اصلاحات تمكّن الدولة من القيام بواجباتها لجهة تأمين خدمات اساسيّة يكون لها اثر مباشر على تحسين حياة كل مواطن او مقيم مثل، الصيانة والمصاريف الصحيّة والطاقة، ورواتب الموظفين والمتقاعدين من القطاع العام، وغيرها من المصاريف الضروريّة.
ولكن …. وبالنظر الى قانون الموازنة لعام 2022، وبالأخصّ بما يتعلّق بحزمة التعديلات الضريبية التي لحظتها هذه الموازنة، يتبيّن انّ لهذه الاصلاحات انعكاسات سلبيّة كبيرة على ذوي الدخل المتدني او المحدود. كيف ذلك؟
لقد شملت رزمة الاصلاحات والتعديلات الضريبية جملة من القوانين منها قانون ضريبة الدخل، والاملاك المبنية، والانتقال، وغيرها، تضمنت تعديلات اساسيّة بالشطور الضريبية، والتنزيلات العائلية، والمعدلات الضريبية، بالاضافة الى اصلاحات اخرى. وبالتحديد نذكر،
- رفع التنزيلات العائليّة خمس اضعاف، اي من 7.5 مليون ليرة لبنانية لك مكلف الى 37.5 مليون ليرة لبنانية، واعتماد هذه النسبة في تعديل التنزيلات للمياومين ايضاَ،
- رفع الشطور الضريبية ثلاث اضعافب حيث انّ الشطر الضريبي الذي كان يفرض نسبة 2% على الرواتب والاجور لغاية 6 مليون ل.ل.، اصبح يفرض 2% على الرواتب والاجور لغاية 18 مليون ل.ل.. وقد اعتمدت هذه النسبة في تعديل شطور ضريبة الدخل والمهن الحرّة والاملاك المبنيّة والرواتب والاجور.
بالمبدأ، وبنظرة سريعة، ويمكن القول ساذجة الى حدَ ما، تبدو هذه تعديلات ايجابيّة ولصالح المكلّف الذي ارتفع دخلهـ(ا) نتيجة تقاضيهـ(ا) دخل بعملة اجنبية، كاملاً او جزئياً – سواء اكان هذا الارتفاع من رواتب/اجور او ايرادات املاك مبنية او ارباح شركات او ايرادات مهن حرّة – اذ ان من شأن الزيادة في الدخل ان تنقل المكلف من الشطر الضريبي الاوطى الى الشطر الضريبي الاعلى، فتأتي التنزيلات والتعديلات في الشطور لتمنع الزيادة في العبء الضريبي. ولكن الدراسة المقارنة ادناه تبيّن غير ذلك تماما.
الجدول ادناه يبيّن بالارقام قيمة الضريبة المتوجبة على عائلة مكلّفة بالضريبة مؤلفة من مكلّف متأهّل ولديهـ (ا) ولد واحد. اعتمدت هذه الدراسة التحليلية البسيطة مقارنة العبء الضريبي كما كان قبل انهيار سعر الصرف به بعد اقرار قانون موازنة 2022 لهؤلاء المكلفين الذين يتقاضون بعض او كل دخلهم بعملة اجنبيّة على سعر السوق، واحتساب الضريبة على سعر صيرفة، المتحرّك، تبعاً لتعميم مصرف لبنان رقم 687/2022.
وبالفعل وبالرغم من تعديل الشطور والتنزيلات، يبيّن الجدول انّ العبء الضريبي سيتعاظم في معظم الحالات، اذ انّ اساس احتساب الضريبة، الذي اصبح على سعر صيرفة، تضاعف 20 مرّة – من 1.500 ل.ل. الى 30.500 ل.ل. – بينما الشطور والتنزيلات الضريبية ارتفعت بنسبة 3 و5 اضعاف على التوالي، فقط. فعلى سبيل المثال.
- مكلّف يتقاضى راتب شهري يوازي 600 دولار اميركي، سترتفع ضريبته 7.7 مرّات تقريبا. مكلّف اخر يتقاضى ما يوازي 10.000 دولار اميركي شهريا، سترتفع ضريبته بنسبة 1.3 مرّات.
– مكلّف مدخوله من مهنة حرّة يوازي حوالي 1.000 دولار اميركي شهريا، سترتفع ضريبته 10.8 مرّات تقريبا. مكلّف اخر يتقاضى من مهنة حرّة ايضا ما يوازي 10.000 دولار اميركي شهريا، سترتفع ضريبته بنسبة 1.25 مرّات.
وبالتالي فان العبء الضريبي ارتفع على المكلف ولكن بشكل غير متوازي، اي ان الارتفاع كان اكبر بكثير على ذوي الدخل المحدود او المتدني، الذين هم حالياَ يشكّلون النسبة الاكبر من العاملين النظاميين والذين يؤّمنون بعض من الدعم لذويهم ويساهمون بتحريك العجلة الاقتصادية ولو بشكل محدود، ويؤمنون مداخيل مصرّح بها للخزينة. وعليه، فان التعديلات التي ادخلت على القوانين الضريبية، التي ذكرت هنا وغيرها التي لم تذكر، كالمفعول الرجعي لاحتساب ضريبة الرواتب والاجور، وتأثير التعديلات المباشر على احتساب تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي، واحتساب الضريبة على الدخل من تحاويل مالية داخليّة، وغيرها، سوف تؤدي الى تفاوت كبير بتوزيع العبء الضريبي الذي سيقع بمعظمه على عامة العاملين الذين اصبحوا يتقاضون، نتيجة الانهيار الاقتصادي والازمات العالمية، اجورا اقل ولو جزء منها احتسب على سعر صرف السوق. ويبقى انّ الاثر الضريبي على اصحاب المداخيل الكبيرة واصحاب الشركات (الاشخاص) سيكون ضئيل كما هو مبيّن اعلاه، مما سيعزز التفاوت الطبقي بين المكلّفين، ويؤدي الى انخفاض العدالة الضريبية، وتحفيز سوق العمل الموازي اي خسارة مداخيل للخزينة، وتعميق الانهيار نتيجة تزايد الهجرة بسبب العبء المالي المستجدّ.
المصدر : اللواء