في 22 تشرين الاول الماضي أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنه بناء على المادتين 75 و 83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة SAYRAFA ببيع الدولار الأميركي علما انه لن يكون شاريا للدولار عبر منصة SAYRAFA من حينه وإلى إشعار آخر. هذا التعميم أدى إلى هبوط سعر صرف الدولار سريعا، لكن سرعان ما عاود مساره التصاعدي إلى عتبة الـ 40 الفا. ما يعني ان المسار التصاعدي مستمر والهبوط ليس الا موقتا، الامر الذي يدفع الخبراء الاقتصاديين إلى التقليل من أهمية مفاعيل التعاميم التي غالبا ما تكون قصيرة المدى لغياب سياسات نقدية مالية واضحة. وبالتالي، لا يمكن التكهن إلى أي سعر صرف سيصل الدولار الذي قد يتخطى الحدود المتوقعة في حال استمر الواقع السياسي والاقتصادي على حاله من المراوحة والعبث في الوقت الضائع.
وفقاً لتقرير مصرف لبنان الصادر في منتصف ايلول 2022 فإن صافي الأصول لدى مصرف لبنان سجل ارتفاعاً بمقدار 161.2 مليون دولار للمرة الأولى عام 2022 في وقت إنخفضت صافي الأصول الأجنبية بمقدار 3.32 مليار من الدولار علماً أن صافي الأصول الأجنبية للمصارف التجارية قد ارتفع بمقدار 269.4 مليون دولار وهذا كله يعني أن مصرف لبنان ومن خلال متابعته لكيفية تطبيق التعاميم التي اصدرها سابقاً يحرص على مساعدة المصارف على تحسين وضعيتها قبل الشروع في إصدار تقرير المصارف وعملية إعادة هيكلة المصارف.
وقد أظهر التقرير أيضاً عجزاً كبيراً في ميزان المدفوعات بقيمة 3.05 مليار دولار بينما قابله في العام الماضي في نفس التاريخ عجز بقيمة 1.58 مليار دولار أي أن العجز إرتفع بنسبة 100 % وهذا حكماً مرده إلى إزدياد عملية الإستيراد بنسبة كبيرة تفوق عمليات الاستهلاك وربما كان سبب هذا الازدياد هو إستمرار الحديث عن رفع قيمة الدولار الجمركي أو استمرار عمليات التهريب التي تؤدي في مكان ما إلى استنزاف موارد لبنان النقدية من العملات الأجنبية.
ما ذكر في التقرير، يؤشر، بحسب الخبير الاقتصادي بلال علامة، إلى أن الأمور المالية والنقدية في لبنان تزداد اضطراباً وتدهوراً في وقت تعجز المؤسسات عن كبح جماح هذا الاضطراب. وكل هذا تسبب في استمرار تدهور سعر صرف الليرة في مقابل الدولار الذي عاود صعوده بعد استراحة أتت تجاوباً مع تعميم مصرف لبنان بوقف شراء الدولار عبر الشركات المالية وعبر منصة صيرفة التي سيقتصر عملها على بيع الدولار فقط.
ومن المعروف أن سعر صرف الدولار بات تحت إمرة زمرة من المتحكمين بواسطة منصات التسعير التي تعتمد اساليب غير واضحة في عملية تسعير سعر الدولار علماً أن المؤسسات الرسمية ومنها المصرف المركزي باتت عاجزة تماماً عن مكافحة هذه المنصات والتطبيقات المنتشرة شمالاً وجنوباً وبقاعاً وفي كل مكان.
وبالتالي، ليس العامل النقدي وتوازن العرض والطلب هو العامل الوحيد الذي يؤثر على سعر الصرف بل أيضاً كل العوامل السياسية والإجتماعية والدولية تؤثر وتتشارك مع المتسلطين على المنصات والتطبيقات بحيث عاد الإرتفاع ليطاول سعر الدولار وربما بوتيرة اسرع من المتوقع مع الحديث عن رفع الدولار الجمركي. ومرد ذلك، بحسب علامة، لجوء التجار إلى طلب الدولار لتنفيذ عقود استيراد كبيرة وقبل صدور القرار برفع الدولار الجمركي أو قبل أن يصبح أمراً واقعاً لاسيما بعد صدور ملحق لقانون موازنة عام 2022 يلزم بنشرها اعتباراً من 15/11/2022 بعد أن مرت المدة القانونية على رفعها لرئيس الجمهورية الذي امتنع عن توقيعها ضمن المهلة القانونية المطلوبة.
الأخطر في هذا الملف المتشابك، أن ملف الدولار وسعر الصرف بات في مهب الريح. وكل الرهانات تلقى على عاتق حاكم مصرف لبنان الذي يستمر في محاولاته التعامل مع النظام الاقتصادي المالي، في حين أن هذا النظام تحول إلى نظام الاقتصاد النقدي والذي تراجعت من خلاله قدرة مصرف لبنان على التدخل في السوق في ظل استمرار تراجع احتياطاته من العملات الاجنبية باستمرار مما يؤشر إلى استمرار النزف والهدر والترقيع. يقول علامة، الذي يعتبر أن حاكم مصرف لبنان يحاول إطالة عمر اجراءات كبح جماح التدهور المالي وتراجع سعر صرف الليرة والتضخم الجامح الذي يصيب الوضع اللبناني لا سيما في الفترة المتبقية من ولايته والتي تنتهي في تموز 2023 . والخوف، بحسب علامة، يكمن في طروحات التصرف بالذهب او بيع المؤسسات المنتجة (كازينو لبنان، طيران الشرق الاوسط.. الخ) أو التصرف بأصول الدولة بعد صيف 2023.
ففي خضم المضاربات وعدم الشفافية وعدم قدرة المصرف المركزي على لجم ارتفاع سعر الصرف، هناك من لا يزال يقف حجرة عثرة أمام إقرار الاصلاحات المطلوبة والضرورية والتي تعتبر الممر الالزامي لحصول الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي من الممكن أن يكون المعبر الضروري لعودة الثقة للوضع اللبناني مالياً واقتصادياً دولياً ومحلياً. ويبدو أن بعض الأفرقاء السياسيين يريد الاطاحة بالاتفاق مع صندوق النقد وابعاده عن التداول لذلك يعمد إلى تعطيل الاصلاحات الضرورية من بينها الكابيتال كونترول وخطة التعافي.
وامام الازمة النقدية والحديث عن حل الدولرة الشاملة، فمن الصعوبة وفق علامة، الركون إلى الدولرة الكاملة او الشاملة لأن حصة لبنان من النقد بالدولار غير كافية، والذهاب إلى الدولرة الشاملة يعني خسارة لبنان لسيادته الاقتصادية والنقدية. في حين أن وجهات نظر اقتصادية أخرى تعتبر أن الدولرة من شأنها ان تكون حلا جديا ينهي الازمة النقدية في البلد، على قاعدة أن دولرة الاسعار يجب أن تترافق مع دولرة الرواتب.
المصدر : لبنان ٢٤