جريدة النهار
بعد اتفاق ترسيم الحدود، وبعد تصنيف لبنان سابقاً من قبل وكالتي “موديز” و”فيتش” دولة “متعثرة”، بات السؤال يُطرح حول إمكانية تحسين التصنيف الائتماني للبنان. لا شك في أنّ وجود النفط والغاز في أيّ دولة يرفع من تصنيفها ويعزّز وضعيتها الاقتصادية في الأسواق العالمية. لكن هل فعلاً تصنيف لبنان يمكن أن يتغيّر على ضوء توقيع اتفاق الترسيم؟
موضوع التصنيف الائتماني للبنان مهم. فسرعة تدرّج لبنان في الانهيار عبر هذا التصنيف أسهمت بانهياره، هذا ما يؤكّده الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري، لـ”النهار”.
فعلياً، بدأ انخفاض تصنيف لبنان الائتماني في عام 2018، وعندما ينخفض تصنيف بلد ما، يرسل إشارات سلبية في الأسواق. وعندما تُبثّ هذه الإشارات، يصبح التأثير مضاعَفاً على مسألة التصنيف، وبذلك يصبح انخفاض تصنيف البلد أسرع بكثير.
والسؤال المركزي الذي يُطرح في هذا الإطار، وفق الخوري: هل التصنيف الائتماني هو تصنيف تقني بحت أم هناك تأثير سياسي عليه؟
الأمر شبيه بما حدث في عام 2008 في الولايات المتحدة الأميركية، عندما ثبَتَ أنّ التصنيف كان سياسياً بحتاً من قبل الدول المصنِّفة. وبقيت حينها السندات الأميركية تحظى بأعلى تصنيفات ائتمانية. وبرغم الأزمة الاقتصادية التي حلّت في ذلك العام، بقيت الشركات الاقتصادية الأميركية تحظى بأعلى تصنيف اقتصادي للديون السيادية والشركات. وهذا يدلّ على أنّ هناك كمّاً من التأثير السياسي في مكان ما من التصنيف الائتماني عامة للدول.
وفي ما يتعلّق بتصنيف لبنان، إذا ما انطلقنا من هذه التجربة، واتّخذناها احتمالاً، يمكن القول “إنّنا نتّجه اليوم في لبنان إلى تحسّن في علاقته بالغرب، بدليل إشارات إيجابية عديدة أتت في هذا الإطار، لم تأتِ منذ وقت طويل”، بحسب الخوري. وهنا، علينا النظر في نتاج التحوّل السياسي هذا، والتحوّل في تصنيف الديون السيادية وتصنيف المصارف، وعطف كل هذه العوامل على حديث السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، التي أكّدت أن هناك تعافياً سريعاً في القطاع المصرفي.
“فهذا التصريح، لكونه يخرج على لسان السفيرة الأميركية، يأخذنا إلى استنتاج أنّ عناصر الانهيار موجودة وكانت له مسرّعات، وهذه المسرّعات هي موقف الدول التي كانت على نزاع سياسي مع موقع لبنان، وعلى ما يبدو فإنّ العقد الأساسية التي كان واقعاً فيها لبنان حُلّت في البحر”، بحسب الخوري.
ويوضح أنّه بهذا المعنى، “نعم يمكن أن نرى تحسّناً في التصنيف الائتماني للبنان، بناءً على مؤشرات عديدة: إمّا عبر التدفقات النقدية المحتمَلة التي تعود إلى النفط والغاز، إمّا عبر إعادة المصارف جزء من الأموال إلى لبنان من الأموال الخاصة، وإمّا استعادة الأموال المحوَّلة إلى الخارج، وإمّا أن نشهد تسوية للقطاع المصرفي عبر مشروع المصارف الخمسة الكبرى الذي جرى التداول به سابقاً”.
إذا ما أخذنا جميع هذه العوامل في الاعتبار، يمكن الحديث حينها عن تحسّن في التصنيف الائتماني للبنان، برأي الخوري، خصوصاً أنّه يحظى حالياً بموارد مستقبلية، وهو عامل مؤثر في هذا التصنيف.
وقد نشهد تغيّراً في نظام الحوكمة، بنظر الخوري، وإن كان بطيئاً، وقد تتسرّع مسيرة الإصلاحات. ويتابع أنّه لا يمكن التماس مفاعيل تحسين التصنيف الائتماني ولا يمكن معرفة متى قد يبدأ. لكنّ الخوري يشدّد على عاملٍ أساسيٍ يجب النظر إليه، وهو عامل القطاع المصرفي. “فإن لم تُعَدْ هيكلة المصارف ومصرف لبنان، فسيكون تحسين التصنيف صعباً”، يشدّد الخوري، “ففي غياب الإصلاحات ليس لدينا حظوظ كبيرة للخروج ممّا نمرّ به الآن”.