من مجلس النواب وعشية ذكرى 13 تشرين 1990، لا نصاب، لا جلسة، لا انتخاب، لا رئيس، لا جدية ولا مسؤولية ، ومن بعبدا “عماد” بلباس مدني يزف البشرة للبنانيين على مسافة ايام من عودته الى الرابية متمما واجبه للعلى، منجزا اتفاقا تاريخيا سيسجل في خانة انجزات عهده، رغم كل الخيبات والفشل التي وصمت السنوات الست عن سابق تصميم وارادة البعض، ممن يضحكون في عبهم منتظرين الاول من تشرين الثاني.
ففيما كان ثمة من ينفخ في نار الفضائح، مسوقا لاطروحة المخالفة المميتة للدستور بتمرير اتفاق الترسيم مع “اسرائيل” دون موافقة رئيسي الجمهورية والحكومة، وتصديق الحكومة والمجلس النيابي ، لما يتضمنه من شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، وفقا للمادة 52 من الدستور، قرر “الرئيس العماد” وبعد التشاور مع “ابو مصطفى” والرئيس نجيب ميقاتي، اختصار الامور بكلمة وجهها الى اللبنانيين، شارحا موضحا ما حصل من مفاوضات وما كان من نتائج.
وفي انتظار ما ستحمله معها الايام على هذا الصعيد، كانت لافتة كلمة “جنرال بعبدا” التي زف فيها تحول حلم لبنان الدولة النفطية الى حقيقة، حيث توقف المتابعون عند اكثر من نقطة ابرزها:
– اصراره على سرد قصة التنقيب كلّها، منذ لحظاتها الاولى، وعلى ذكر جبران باسيل بالاسم، حقه من خلال اعداده مشروع قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية بصفته وزيرا للطاقة والمياه، مسقطا من حساباته “اتفاق الاطار” الذي كان توصل اليه “الاستيذ” مع الاميركيين، لاحياء المفاوضات من جديد، التي استكملها الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، ما راى فيه المراقبون محاولة لتسييل هذا الانجاز لمصلحة الصهر.
– اشارته ان الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة، ما يعني عمليا ان الخط 29 لم يكن الحقيقة. فمن المسؤول عن ورطة الـ 29؟
– تطرقه للمقاومة وفضلها عرضا ومرة واحدة فقط؟
– اقراره بان الاتفاق يحتاج الى متابعة، سواء لجهة انجاز الترسيم مع سوريا، او الترسيم البري، والابرز حل مسالة نقطة الحدود البحرية مع قبرص التي تستوجب ايضا اتفاقا مع اسرائيل، وهي امور رحلت للعهد الجديد ولن تكون المفاوضات بالسهلة في خصوصها، خاصة اذا ما وصل الى بعبدا رئيس صدامي.
– تاكيده على دور “الصديق الرئيس ماكرون” ، بعد تصريح الكيدورسيه عن انه لولا باريس لما كان هناك من اتفاق، تزامنا مع وصول وزيرة الخارجية الى بيروت، وهو حقيقة واقعة، اذ كانت مشاركة مزدوجة، الاولى سياسية، عبر دور باريس “كبوسطجي” بين واشنطن وحارة حريك، والثانية، اقتصادية ،عبر ادارة التفاوض مع شركة توتال وحل مشكلة التعويضات التي طالبت بها تل ابيب.
– شكره الحار للرئيس الاميركي وفريق عمله رغم اعتبار واشنطن “الشيطان الاكبر”، حتى بالنسبة للتيار الوطني الحر حتى الامس.
اعترافه الضمني بان سبب الحصار قد سقط بتواصل العالم معه وحصول لبنان على كامل حقوقه رغم الضغوط الاقتصادية.
مصادر مواكبة “للاستحقاق” اكدت ان القصر الجمهوري لن يشهد اي مظاهر احتفالية بمناسبة الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع “اسرائيل”، كما ان منطقة الناقورة لن تشهد اي اجتماع ثلاثي لتوقيع الافرقاء عليه، اذ ستتم تعبئة “الاستمارة” المرفقة بنص الاتفاق كما وردت من الجانب الاميركي موقعة من رئيس الجمهورية اللبنانية، واخرى مماثلة موقعة من رئيس الحكومة الاسرائيلية،على ان تسلم الى الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، خلافا لكل ما جرى تداوله وتسريبه من معلومات، خلال الساعات الماضية.
في كل الاحوال ما اعلنه الرئيس عون تكتمل مشهديته في المعادلة التي ارساها وصرح بها الوسيط الاميركي، ومفادها : الامن لاسرائيل مقابل تحسن الوضع الاقتصادي اللبناني على المدى المتوسط، والذي اول غيثه، موافقة على الفيول الايراني، ووصول الغاز المصري والكهرباء الاردنية.
هكذا يمكن القول ان الكلام الرئاسي حمل الكثير من الرسائل، مفقدا خطاب الوداع الكثير من رونقه، ما لم يقرر ان يقلب الطاولة، ما هو مستبعد، اذ سيغادر القصر قبل ساعات من انتهاء الولاية، في ليلة اخيرة ستمضي ساعاتها بسرعة بقدر صعوبتها .
المصدر : الديار