تتزعَّمُ المرأة القارة الأوروبيّة. واقعٌ يبعث على الغيرة بالفعل والقول والكتابة، خصوصاً على بُعد أيّامٍ من موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي ظلّ ترشُّح سيّدتين على المنصب، فهل يحقُّ لنا أن نحلم برئيسةٍ تقود عهداً جديداً مُغايراً، وربّما أكثر لُطفاً؟
عشرةُ مناصب أوروبيّة رفيعة المستوى تشغلُها وتقودها سيّدات. في ليتوانيا، رئيسة الوزراء سيدة هي إنغريدا سيمونيته، في الدنمارك، رئيسةٌ للوزراء سيّدة أيضاً تُدعى ميتي فريدريكسن، رئاسة الوزراء في فنلندا هي سانا مارين، وفي إستونيا، تتزعّم رئاسة الوزراء كذلك الأمر سيّدة هي كايا كلاّس. وتستمرّ سلسلة رئاسات الوزراء التي تتربّع عليها سيّدات، فرئيسة وزراء إيطاليا سيّدة تدعى جورجيا ميلوني، وفي فرنسا إليزابيث بورن، وفي بريطانيا ليز تراس، وفي اليونان رئيسةٌ للجمهورية هي كاترينا ساكيلاروبولو، أما رئاسة المفوضية الأوروبية فتتزعّمها امرأة هي أورسولا فون ديرلاين، ورئيسةُ البنك المركزي الأوروبي هي الغنيّة عن التعريف كريستين لاغارد.
مشهدٌ يعكس تطوّر مختلف بلدان العالم خصوصاً في أوروبا، في وقت لا يزال فيه الشّرق الأوسط يعيش تحت سلطة براثن رجال أمعنوا في ممارسة قسوتهم وتعنّتهم، وعاملوا أوطانهم تماماً كما يعاملون المرأة بتسلط وفوقيّة. متى يدور الدّولاب دورته في أوطاننا وتتزّعمُ المرأة لتحكم بأنامل ناعمة وليس بمخالب وحوش؟
نكتبُ هذه السّطور في وقتٍ شهدت فيه إيران وعددٌ من البلدان حول العالم ومنها لبنان تظاهرات أشعلها “قتل” الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد اعتقالها على أيدي “شرطة الآداب”، وفي زمنٍ لا تزالُ فيه سيّدات لبنانيّات يُقتلن كلّ يومٍ حرقاً وضرباً وتعذيباً من دون رحمةٍ وعقابٍ يُعلّم المجرمين الذين يستقوون بقوانين ذكوريّة على المرأة والعدالة معاً، أنّ الأنثى هي الوطن والحياة. نكتبُ هذه السّطور بينما لم تحظ فيه سيّدة لبنانية بصوتٍ واحدٍ في البرلمان في الجلسة الأخيرة. وحدها مهسا أميني خرقت الأعراف الذكورية تحت قبّته بصوتها الوحيد.
الأرضُ أنثى، والبلادُ أنثى، والثّورة أنثى، والمناصبُ والكراسي والقصور والأخلاق أنثى أيضاً. بينما يتحضّر الغرب ويتخلّف الشرق، نحلمُ هنا في أرض صغيرة بين العالمين برياحٍ عاتية تحمل معها عدوى الجنس اللطيف الأوروبيّة. نحلمُ بيومٍ تحكُمنا فيه أنثى تُدير بعقلها وحكمتها وتعطفُ بقلبها وتغمر وطناً ومن فيه بذراعيها، لأن الرئاسة أنثى أيضاً…