غريب عجيب أمر المصارف اللبنانية، تصرّ على التنكيل باللبنانيين بشتى الوسائل المتاحة، بدلاً من أن تستعيد ثقتهم وتتفهّم مآسيهم التي سَبّبتها هي بالتعاون مع بعض المسؤولين وبقيادة مصرف لبنان المركزي وهندساته التي أوصلتنا الى الخراب.
لا حدود للوقاحة، تستمر المصارف في إضرابها الذي تعلنه كلما «دَق الكوز بالجرّة» مُسبّبة التعطيل لأعمال الناس، بعدما وضعت اليد على ودائعهم وتلعب اليوم دور الضحية المغلوب على أمرها من منطلق «ضربني وبكى سبقني واشتكى».
ألا يدرك اصحاب المصارف تَبعات سياساتهم واعمالهم؟ ألا ينظرون حولهم ليروا البؤس والتعتير الذي سببوه للناس؟ هناك عائلات فقدت مداخيلها، عائلات أخرجت أبناءها من مدارسهم التي نشأوا فيها الى مدارس اقل كلفة لأنّ المصرف يرفض اخراج الاموال، عائلات فقد ابناؤها فرصة التعليم الجامعي، واناس تتوسّل اموالها لتتعالج، عائلات هاجر اربابها وتركوا عائلاتهم لأنهم خسروا جنى اعمارهم. هذه هي النتائج المباشرة، اما التبعات غير المباشرة فهي اعمق واقسى، حيث تم تدمير الاقتصاد الوطني، وخسرت الرواتب قيمتها وخسر الموظفون تعويضاتهم وتغطيتهم الصحية، ووصلت عائلات كثيرة الى الفقر، وهاجر كثيرون تاركين البلد ويسعى كثيرون للهجرة بحثاً عن حياة كريمة، الى حد دفعَ اليأس بعضهم الى ركوب البحر والتعرّض للخطر هرباً من الجحيم الاقتصادي.
كل ذلك، وتنزعج المصارف من ردة فعل يقوم بها احد المودعين اليائسين وتثور وتدعو الى الاضراب. ولو كان أصحابها يملكون ذرّة من المسؤولية لكانوا عملوا ليلاً ونهاراً لإيجاد حلول سريعة لإعادة ما تبقّى من ودائع الناس، لا ان يضعوا الموظفين في مواجهة الناس ويستمروا في عيش حياة الرفاهية والبذخ، وقد اصبحوا جميعاً من الاثرياء الكبار الا اذا أعاد بعضهم الودائع ولم نعرف به، ويطلقون حملات إعلانية مُكلفة لتلميع صورة القطاع المصرفي، فيما الناس تتألم وتتواجه مع موظفي المصارف المغلوبين على أمرهم، والذين تأثرت حياة معظمهم.
ونسأل: ضد مَن يُوَجّه هذا الاضراب؟ ماذا ستحققون منه؟ هل هو موجَّه ضد الحكومة او المصرف المركزي؟ انه موجّه ضد الناس. والأوقح انّ المصارف تحاول قلب الصفحة عبر تشجيع المودعين على اعادة فتح حسابات جديدة وكأن ما حصل هو تعثّر بسيط، وليس تدميرا كاملا لحياة الناس.
ويصرّون على الاختباء وراء السرية المصرفية التي أصلاً لا تمنع كشف المعلومات المطلوبة، والتي من واجبهم ان يظهروها في اكبر عملية نهب في تاريخ البلد، فلم يبادروا الى مصارحة الناس في تفاصيل ما حصل، لم يبرّؤوا صورتهم بعد امام الرأي العام، وعدم قيامهم بفتح اوراقهم حتى اليوم يجعل منهم متواطئين مع بعض المسؤولين والمصرف المركزي في عملية النهب التي حصلت.
دور المصرف المركزي ان يكون صمّام الامان لمراقبة عمل المصارف ومنع الانحراف والحرص على سلامة القطاع المصرفي وودائع الناس، وبدل ان يلعب هذا الدور، كان القائد والمنظّم للانهيار عبر هندسات أوصلتنا الى التعتير، وكما يبدو حتى الآن لقد تواطأت معه المصارف الى أن تُثبِت عكس ذلك.
فنقول لكم اليوم: استحوا واتركوا لكم صاحباً، انّ ممارساتكم تؤدي الى تدمير الاقتصاد وإذلال الناس، لقد فقدتم ثقة الناس والمستثمرين، فإذا كنتم مظلومين، اكشفوا حساباتكم، أظهِروا كم أخذ المصرف المركزي منكم ولم يُرجعه، أقنعونا انكم لم تحققوا أرباحاً خلال أكثر من سنتين من أساليب ملتوية كان فيها المودِع الضحية الوحيدة. اخرجوا من حجّة السرية المصرفية التي تتلطون وراءها، واثبتوا براءتكم.
والمصارف التي لا تريد فتح حساباتها، لتبادر، على الاقل، الى اعادة ما تبقى من ودائع الناس وتكون قد اكتفَت بما حققت من ارباح.
لن يقبل الناس اليوم بأقل من الحقيقة الكاملة لكل ما حدث، واجراء محاسبة لكل من ارتكب وتسبب بتعتير الناس، بدءاً بكشف كل التقارير المدققة للمصرف المركزي، وفتح حسابات المصارف. وإذا حدث غير ذلك، فسيتم وضعكم في خانة المتواطئين والمسؤولين عن مصائب الناس، اذا كانت تهمّكم كرامة القطاع المصرفي كما تدعون، أثبتوا للناس أنكم الضحية.
الجمهورية