الدولار_999999875649784569764333333

الدولار يربك العالم

كتب عثمان ميرغني في “الشرق الأوسط”:

كثيراً ما يقال في السياسة والأزمات الكبرى إنه إذا عطست أميركا يصاب العالم بالزكام. هذه المرة يعطس الدولار فيصيب العالم بما هو أكثر من الزكام. فقد جاءت الاضطرابات الأخيرة في أسواق المال العالمية، وارتفاع الدولار، ورفع البنوك المركزية في عدد من الدول أسعار الفائدة لكبح التضخم، أو للدفاع عن العملات الوطنية، لتزيد من الأعباء على الناس، والضغوط على الحكومات، وكأن العالم كانت تنقصه المشكلات والأزمات.

كل العملات الرئيسية شهدت خلال الأيام الماضية تراجعاً أمام الدولار الصاعد. الجنيه الإسترليني بلغ أضعف مستوى له أمام الدولار أول من أمس، بعد رفض المستثمرين والمضاربين خطط الحكومة البريطانية لخفض الضرائب وزيادة عبء الديون الحكومية. كذلك انخفض اليورو إلى أقل من مستوى التكافؤ مع الدولار الأميركي في السعر، ليسجل أمس 95 سنتاً، بينما بلغ اليوان (أو الرنمينبي) الصيني أدنى مستوى له، وقس على ذلك بالنسبة لكثير من العملات التي تضررت حول العالم من الفرنك السويسري والدولار الكندي والريال البرازيلي، إلى البيسو المكسيكي والدينار التونسي والجنيه المصري أو السوداني.

التأثيرات السلبية لم تكن في الدول الكبرى وحدها، بل حول العالم وبشكل خاص في الدول النامية، مع استثناءات قليلة. فالدولار هو عملة الاحتياط المفضلة، والعملة الأساسية لمعظم التجارة الدولية، و40 في المائة من المعاملات في العالم تتم به، ولذلك يؤثر ارتفاعه أو هبوطه في كثير من جوانب حياتنا من أسعار الطاقة إلى أسعار السلع الغذائية والدواء وكثير من الضروريات. أكثر من ذلك فإن الدول التي عليها ديون خارجية، وهذا ينطبق بشكل خاص على أكثرية الدول النامية والفقيرة، تجد نفسها متضررة من أي ارتفاع في قيمة الدولار، لأنه سيزيد في عبء خدمة هذه الديون.

المشكلة أن هذه الأزمة تأتي في وقت لا يزال العالم يرزح فيه تحت تداعيات جائحة «كورونا»، وتبعات الحرب في أوكرانيا، وتأثيرات الكوارث المناخية، والارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء. لذلك فإن هناك مخاوف حقيقية من أن العالم يتجه نحو فترة من الركود والانكماش الاقتصادي خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الأسبوع إلى أنها تتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في كثير من دول العالم قبل نهاية هذا العام وخلال العام المقبل.

أميركا تبدو مصممة على مواصلة حربها لكبح جماح التضخم عندها بسلاح رفع سعر الفائدة، وهو ما يعني المزيد من الارتفاع في قيمة الدولار، وبالتالي المزيد من الضغوط والمشكلات الاقتصادية لكثير من دول العالم. فقد أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أنه سيتخذ المزيد من الخطوات بعد رفعه سعر الفائدة ثلاث مرات متتالية في أعلى وتيرة منذ نحو 40 عاماً، وهو ما يعني أن على العالم شد الأحزمة في انتظار المزيد من الصعود في قيمة الدولار.

هناك اقتصاديون وسياسيون يجادلون اليوم بأن أميركا التي تريد للدولار أن يتربع على عرش العملات العالمية، عليها أن تتحمل مسؤولياتها وتراعي انعكاسات قراراتها المالية على بقية دول العالم. فبنك الاحتياطي الفيدرالي يركز على معالجة مشكلات الاقتصاد الأميركي، ويصدر قراراته بناء على ذلك، في حين أن تأثير خطواته لا يبقى محصوراً في الداخل، بل يمتد إلى أكثرية دول العالم. وهذا بالضبط هو ما يحدث حالياً نتيجة رفع أسعار الفائدة الأميركية، الذي أسهم في إرباك الكثير من الدول وزيادة معاناتها.

الدولار المرتفع قد يساعد أميركا في جهودها لكبح التضخم داخلياً، لأنه يعني خفض أسعار الواردات للمستهلك، لكنه في المقابل يصدر المزيد من المشكلات والأعباء للدول الأخرى. فبينما يشتري المستهلك الأميركي بعض السلع بأسعار أقل، فإن المستهلك في تونس، أو السودان، أو مصر، أو لبنان، على سبيل المثال، يعاني من الارتفاع المتواصل في أسعار الكثير من السلع التي تتغير أسعارها بين يوم وآخر. فهذه الدول وغيرها لا تواجه مشكلة ارتفاع أسعار السلع المستوردة فحسب، بل تعاني أيضاً من ارتفاع فاتورة خدمة الديون إذا كانت عليها ديون خارجية، وهو حال معظم الدول النامية.

المفارقة أنه بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة تضطر هذه الدول إلى البحث عن المزيد من القروض، وذلك على الرغم من ارتفاع تكاليف الاقتراض، فهي مضطرة إلى ذلك لمواجهة الأعباء الداخلية المتزايدة. يحدث هذا في الوقت الذي عجزت فيه بالفعل عدة دول عن تسديد خدمة ديونها، الأمر الذي ينذر بإعصار قادم يهدد بأزمة ديون عالمية جديدة، ومشكلات أكبر إذا دخل العالم في مرحلة ركود اقتصادي مثلما هو متوقع. وليس غائباً عن الأذهان أن ارتفاع أسعار الفائدة المتسارع في أميركا في ثمانينات القرن الماضي، هو الذي تسبب في أزمة الديون الكارثية في أميركا اللاتينية آنذاك، وما تبعها من اضطرابات اجتماعية وسياسية. وقد حذر البنك الدولي بالفعل هذا الشهر من أن الزيادات المتلاحقة في أسعار الفائدة تدفع العالم نحو الركود، والدول النامية نحو سلسلة من الأزمات المالية.

الحقيقة أن أميركا ليست وحدها التي تستخدم الآن رفع سعر الفائدة لكبح جماح التضخم، فكثير من الدول رفعت أسعار الفائدة أخيراً لهذا الغرض، لكن الفارق هو أن تأثير الخطوة الأميركية أكبر بسبب الارتفاع المصاحب لها في قيمة الدولار. فالعملة الأميركية التي كانت تعتبر تقليدياً الملاذ الآمن في وقت الأزمات الكبرى، هي التي تربك العالم الآن.

المصدر: الشرق الأوسط – عثمان ميرغني


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *