لم توفّر المنظومة السياسية والنقدية طريقة إلا واعتمدتها لمفاقمة التضخم. البعض يرى في هذه السياسة أنها “النتيجة الطبيعية للسياسات العبثية المبنية على حماية المصالح الشخصية”، فيما يذهب البعض الآخر بعيداً باعتبارها “منفذاً لتذويب الودائع وتقليل حجم ثلثي الديون المقومة بالليرة”. وفي الحالتين “يدفع الاقتصاد اللبناني عامة والمواطنون خاصة الثمن الاكبر”، بحسب مصادر متابعة، فالاقتصاد وقع بين “فكي كماشة التضخم العالمي، وما يسببه من ارتفاع أسعار مختلف الحاجات التي نستوردها، وتعمّد المصارف المركزية رفع الفوائد، الامر الذي يزيد من كلفة الاقتراض في المرحلة المقبلة”.
وبدلاً من الاسراع في تطبيق الاصلاحات، لاستباق التطورات الدولية المتسارعة، تعمّق السياسات النقدية المترافقة مع رخاوة حكومية قلّ نظيرها انهيار سعر الصرف، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاع في الاسعار وزيادة الفاتورة على المستهلكين.
على غرار السلع الغذائية، القمح، الأدوية والمستلزمات الطبية، أتى رفع الدعم عن المحروقات فوضوياً، وقبل إعطاء المواطنين البدائل المناسبة. فرفع الدعم كلياً “لطالما كان مطلباً وطنياً للحد من خسائر المودعين واستفادة بعض المتاجرين، قبل أن يكون شرطاً من شروط صندوق النقد الدولي”، بحسب المصادر، “إلا أنه كان مشروطاً بتحقيق الاصلاحات الكفيلة باعادة تحريك العجلة الاقتصادية وتخفيف الضغط عن العملة الوطنية أولاً، وتأمين الحماية الاجتماعية ثانياً. والعنصران لم يتحققا. الامر الذي وضع اللبنانيين في مهب تغير الاسعار عالمياً الآخذة في الإرتفاع من جهة، ودخول الاقتصاد في حلقة مفرغة من الطلب على الدولار وانهيار الليرة، من جهة ثانية. فتخطت نسبة أسعار المحروقات 3900 في المئة منذ بداية الازمة ولغاية اليوم. وهو ما انعكس بشكل هائل على كلفة النقل وارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات وعقّد امكانية التوصل إلى حل لفك إضراب موظفي القطاع العام.
تأخر الأوان على الاصلاحات كثيراً، لكنه لم يفت بعد. وعلى لبنان الاتجاه سريعاً نحو إقرار الموازنة والقوانين الاصلاحية، ولا سيما تلك المتعلقة بالقطاع النقدي واعادة هكيلة القطاع المصرفي. وإلا فان الامور ستزداد سوءاً، إذ لم يعد هناك من رادع أو حاجز ولو ضعيف، لتهدئة الانهيار الحر المتواصل.
خالد ابو شقرا – نداء الوطن