تتزايد في لبنان محاولات الهجرة غير الشرعية باتجاه عدد من الدول الأوروبيّة، بحيث يكاد لا يمرّ يوم واحد من دون انطلاق رحلة أو أكثر من شمال البلاد تقلّ على متنها عشرات اللبنانيين والسوريين في محاولةٍ للوصول إلى القارة العجوز، وهو المسار الذي لم يوقفه غرقُ أحد القوارب الكبيرة قبالة مدينة طرابلس في نيسان الماضي، والتهامِ البحر أكثر من 30 مهاجراً كانوا على متنه ولم تنجح عملية انتشال جثثهم بعدما تحوّلوا ما يشبه… رماداً.
تكلفة الهجرة غير الشرعية
يؤكد أحد المهربين غير الشرعيين لـ «الراي»، أن السبب «الأول والأساسي الذي يدفع المواطنين لخوض غمار الهجرة غير الشرعية هو الوضع الاقتصادي الذي لم يعد يُحتمل وجعَلَهم غبر قادرين على تأمين قوت يومهم».
وأضاف «غالبية المهاجرين من فئات اجتماعية فقيرة، بحيث يبيعون ممتلكاتهم من سيارة أو منزل أو مقتنيات أخرى، حتّى أن بعضهم يقوم بالاستدانة لتوفير تكلفة الرحلة».
وتابع: «هذه الكلفة عادةً تُراوِح بين 5 إلى 7 آلاف دولار، بحسب عدد الأشخاص على المركب».
رحلات الموت
ويلفت المُهرِّب إلى أن «هذه الرحلات تنطلق من أماكن مختلفة من الشاطئ اللبناني، وتحديداً الشمال، في حين أن الرحلات غير الشرعية التي تُقْلِع من العاصمة بيروت محدودة جداً»، مشيراً إلى أن «الوجهة الأساسية في هذه الفترة هي إيطاليا، حيث يطمح المهاجرون للدخول إلى أوروبا، على أن يقوموا في وقت لاحق بالانتقال إلى بلدان أخرى ولا سيما ألمانيا».
ويوضح «وهذه الرحلة تحتاج عادةً إلى 7 إلى 8 أيام، ولكن تشهد الكثير من المراكب تعطُّل المحرّك أو أي عطل آخر أمام الشواطئ القبرصية، وفي هذه الحال تقوم السلطات القبرصية بإعادة المهاجرين إلى لبنان».
ويتابع أن «خروج المركب من الميناء يكون بشكل طبيعي، إذ أنه يكون مُسجَّلاً باسم أحد الأفراد الهاربين، بحيث يتم تحديد نقطة التقاء على الشاطئ لنقل بقية المهاجرين الذين عادةً ما يراوح عددهم بين 70 إلى 100 شخص، بحسب سعة المركب المُستخدم».
وفي السياق، أفادت وسائل إعلام محلية عن مغادرة أكثر من مئة مواطن غالبيتهم من مدينة طرابلس (الشمال)، الأراضي اللبنانية عبر البحر باتجاه القارة الأوروبية خلال الساعات الأولى من صباح الخميس الماضي، وذلك عبر أحد مراكب الهجرة غير الشرعية.
وفي المقابل، تستمرّ جهود القوى والأجهزة الأمنية في تعقّب المهرّبين ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، استناداً إلى الاتفاقات الموقّعة بين الدول والتي تفرض مكافحة هذه الظاهرة.
مبادرات فردية
ومع تزايُد هذه الرحلات، بات الكثير منها يَعتمد على جهد فردي بعيداً عن المُهرّبين، بحيث يتبنى أحد الأشخاص مهمة تأمين القارب، ومن ثم ترويج الفكرة في بعض الأوساط الشعبية وبين الأقرباء، ويتقاسم هؤلاء ثمن القارب البدائي الصنع، قبل أن يتم تجهيزه بنظام للاتصال وسترات للنجاة، ومحركاً يملك قوة مضاعفة، وآخر بديلاً للاحتياط، فضلاً عن الوقود والمياه.
أما الخطوة الثانية فتتمثل بتحديد زمنِ معيّن للانطلاق يأخذ في الاعتبار المكان والتوقيت الذي يحرص هؤلاء على أن يكون فيه الوضع المناخي مستقراً لضمان عدم تعرض المركب لأي تيارات هوائية وأمواج.
نجاة أحد المراكب
وفي 27 أغسطس الفائت، انطلق مركب يضم نحو 76 شخصاً متوجهاً إلى السواحل الإيطالية، إلا أن عطلاً أصاب المحرك قبالة جزيرة كريت.
فما كان من سفينة «وادي الكرنك» المملوكة لشركة الملاحة الوطنية المصرية سوى التدخل لإنقاذهم بعدما تلقّت تنبيهاً من نادي الحماية والتعويض الأميركي بوجود إشارات استغاثة من قارب في منطقة إبحار السفينة، وفقاً لبيان وزارة النقل المصرية.
وتوفيت الطفلة السورية لجين أحمد ناصيف ابنة الـ 4 أعوام والتي كانت وعائلتها على متن القارب خلال نقلها في سيارة الإسعاف التي كانت تقلّها ووالدتها إلى أحد المستشفيات اليونانية.
ووُصفت حالة الوالدة الصحية بـ «الحرجة جداً».
في هذا الصدد، قال أبوأيمن المشمشاني، وهو والد أحد المهاجرين على متن تلك الرحلة، لـ «الراي»، إنه تواصل مع ابنه الذي كان على المركب والذي أعلمهم أنهم باتوا في جزيرة كريت اليونانية.
وأضاف «أن الوضع الاقتصادي السيئ هو الذي دفع ابني كي يبيع سيارته ويقترض المال بغية دفع 16 ألف دولار لقاء الصعود مع أسرته المكونة من زوجة و 5 أطفال على المركب».