يردّد بعض من يلتقي مسؤولين في «حزب الله» أنّ الأخير يتعامل مع الاستحقاق الرئاسي، على أنّه مؤجّل لأشهر وأسابيع، رغم بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، ولهذا تسارعت وتيرة الاتصالات في الأيام الأخيرة في محاولة لإعادة انعاش مشاورات التأليف منعاً للغرق في جدل دستوري عقيم قد يُدخل البلاد في مزيد من التوتر والشلل والأزمات.
وفق هؤلاء، فإنّ الضغط الدولي وحده قد ينقذ الاستحقاق الرئاسي من سبات عميق قد يغرق فيه في حال بقيت مواقف القوى اللبنانية على حالها، وقد يقطع الطريق أمام شغور طويل لا تعرف مواعيد نهايته. والضغط يعني حصول تفاهم اقليمي- دولي من شأنه أن يسهم في إجراء الانتخابات في مواعيدها وعلى نحو سلس. ولكن هذا الاحتمال مرتبط بالتطورات الدولية، وتحديداً المفاوضات الأميركية – الايرانية التي لم تبلغ بعد خواتيهما.
أمّا السيناريو الثاني فيتجلى في استسلام رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل وجلوسه، استطراداً، إلى طاولة التفاهم مع «حزب الله» للاتفاق على اسم من سيخلف الرئيس ميشال عون في الرئاسة الأولى. وهو احتمال لا يزال مستحيلاً في هذه المرحلة. إلى الآن، باسيل يضع العصي في الدواليب بحجة انعدام وجود ترشيحات تنطبق عليها المواصفات التي سبق له أن عددها في أكثر من مناسبة، والتي اختصرها تقريباً بمعيار واحد وهو التمثيل الشعبي. وفي هذا السياق، يقول رئيس الجمهورية ميشال عون إنه «لا يجد بين معظم اسماء السياسيين المتداولة للرئاسة حتى الآن من يستحق ان يدعمه»، لافتاً الى انّ «جبران باسيل غير مرشح، والآخرين لا تتوافر فيهم الشروط الضرورية لتولي المنصب». ما يعني أنّ الباب العوني مقفل أمام الترشيحات المتداولة، ومنها ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
على طاولة «الحزب» لا يزال فرنجية في طليعة القائمة الرئاسية. وهو ينطلق في سباقه إلى «القصر» بحوالى 40 صوتاً، أي الثنائي الشيعي وبعض الأصوات السنيّة القريبة من رئيس «تيار المستقبل»- سعد الحريري وأصوات نواب مسيحيين مستقلين، وبالتالي إنّ انضمام «التيار» إلى هذا «السكور» سيسهّل مهمة تحصيل 65 صوتاً. لكن هذا السيناريو لا يزال فرضية صعبة للغاية.
ولكن «الحزب» ليس بوارد الاشتباك مع جبران باسيل، وهو المتأكد أنّ الأخير مقتنع أنّ حظوظه ليست معدومة ويمكن للظروف أن تقلبها رأساً على عقب، لتبعثها من جديد. أو لنقل، بأنّه يشعر بأنّ كل الخيارات الرئاسية التي تستثنيه كمرشح، ستقود حتماً إلى محاصرته في المستقبل، ويخشى أنه سيكون مطوقاً بمعادلة loose- loose في كل الاحتمالات الرئاسية، سواء وصل أحد خصومه أو حلفائه. ولهذا يسعى لكسب الوقت عسى أن تأتيه الأيام بما هو غير متوقع.
ولهذا لا يمارس الحزب أي نوع من الضغط على باسيل ويتركه للوقت ليفعل فعله على خياراته الرئاسية منعاً للاصطدام به خصوصاً وأنّ تجارب الابتزاز السياسي الذي مارسه رئيس «التيار الوطني الحر» طوال 16 عاماً، وهي عمر تفاهم مار مخايل، تدفع الحزب إلى العدّ للمئة وليس للعشرة قبل أن يفاتح باسيل جدياً بمصير الرئاسة الأولى، ومصيره السياسي.
في الواقع، إنّ التواصل بين «الحزب» وفرنجية من جهة، والحزب وباسيل من جهة أخرى مستمر. ولكن لا لقاءات جدية أو حاسمة قد تسرّع عقارب الاستحقاق الرئاسي أو تجعله بمتناول اليد. بمعنى أنّه لا وجود لمؤشرات قد تشي بامكانية تكرار مشهدية اللقاء الذي عقده أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله مع باسيل وفرنجية عشية الانتخابات النيابية، لا على المستوى الثلاثي ولا الثنائي. وفي حال انعقاده، هذا يعني أنّ ثمة تقدماً في الملف وهو أمر لم يحصل إلى الآن.
إذاً، لا يبدو أنّ «الحزب» في وارد تكرار تجربة الوعد الذي اطلقه نصر الله ازاء ترشيح عون في العام 2014، ليطلق عشية استحقاق العام 2022 وعداً جديداً ليكون فرنجية مرشحه الرئاسي، ليس لأنه غير مقتنع برئيس «تيار المردة»، بل لأنّ الظروف الراهنة لا تشبه أبداً ظروف الاستحقاق الماضي بفعل التحلل المتمادي للدولة اللبنانية التي باتت أشبه بهيكل عظمي، حيث قد تفرض التطورات التوصل إلى تفاهم على غير اسم القطب الزغرتاوي خصوصاً وأنّ للحزب شرطاً أساسياً من هذا الاستحقاق وهو انتخاب رئيس يرتاح له ولا يقلقه في خياراته الاستراتيجة. أمّا غير ذلك، فالظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد هي التي قد تتحكّم بتحديد هوية من سيكون خلف الرئيس ميشال عون… أو أن يقرر باسيل أن يكون شريك رئيس «تيار المردة» لترئيسه، أو معبره الإلزامي.
كلير شكر – نداء الوطن