يعيش العالم أزمة طاقة انطلقت شرارتها مع الحرب الروسية – الأوكرانية التي دفعت بروسيا إلى وقف ضخّ الغاز إلى أوروبا وتحديداً إلى ألمانيا عبر الخط “نورث ستريم 1” الذي كان يؤمّن 40 في المئة من حاجة ألمانيا إلى الطاقة، فتوقف كلياً نتيجة موقف ألمانيا الداعم سياسياً لأوكرانيا ومدّها بالسلاح. كما عمدت إلى خفض ضخّ الغاز بأقل من النصف عبر الخط الممتد إلى جنوب أوروبا…
هذا الواقع جعل أوروبا تواجه أزمة خانقة في تأمين الغاز خصوصاً على أبواب فصل الشتاء. فالدول الأوروبية كافة تحت تأثير أزمة الطاقة الخانقة التي تدمّر اقتصاداتها وهي تتخبّط حالياً في البحث عن مخارج تُنقذها من هذه “الورطة”.
أمام هذه الأزمة المستفحلة، تسعى أوروبا جاهدة إلى تأمين مصادر أخرى للطاقة ترفدها بكميات الغاز المطلوبة، ولا سيما ألمانيا التي تسعى إلى تأمين الغاز المُسال LMG عبر توقيع عقود تسرّع في الحصول على الكميات المطلوبة. وأرست عرض البحر 3 بواخر تحوّل الغاز المُسال إلى غاز طبيعي صالح للاستعمال، أي محطات تخويز عائمة FSRU، وهناك اثنتان أخريان تصلان في غضون 6 أشهر…
“إنه إنجاز” يقول الخبير في شؤون الطاقة عبود زاهر لـ”المركزية”، مضيفاً: في غضون 6 أشهر أقامت ألمانيا 5 محطات تخويز عائمة، فيما لبنان طالما تحدث عنها طوال 12 عاماً من دون أن يفلح في استقدام واحدة منها…”، لاعتباره “أن الفساد مُستشرٍ في مفاصل الدولة ومرافقها ومؤسساتها، في ظل غياب محتَّم لأي إرادة سياسية للقيام بالإصلاحات اللازمة والنهوض بالاقتصاد…بل هناك إرادة سياسية لتدمير البلاد”.
وفي معرض شرحه لأزمة الغاز الأوروبية، يشير زاهر إلى أن “الدول الأوروبية تؤمِّن الغاز المُسال من الولايات المتحدة الأميركية، وتسعى إلى تأمينه من أفريقيا ومصر وقطر… وصولاً إلى توقيع ألمانيا اتفاقاً لاستقدام الغاز بالبواخر من أوستراليا”.
وعن معدّل ارتفاع سعر الغاز مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فيقول “لقد ارتفع 8 مرات حتى اليوم… في حين ارتفع سعر برميل النفط من 80 دولاراً إلى 100 دولار، وهو معدّل مقبول”، عازياً ذلك إلى “ارتفاع الطلب على الغاز وخصوصاً في أوروبا حيث ارتفع أكثر مما هو عليه في آسيا وأميركا، ففي الولايات المتحدة لم تتأثر أسعار الغاز لأنه أصبح لديها اكتفاء ذاتي، بينما تعوّل أوروبا على الاستيراد… كذلك ارتفع سعر صفيحة البنزين في غالبية الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا وألمانيا حيث ارتفع من 1،4 يورو إلى 2،4 يورو”.
…في لبنان: “سمك في البحر”
أما عن واقع الطاقة في لبنان، فيشير زاهر إلى أن “تصريح وزير الطاقة وليد فيّاض من السراي اليوم، سبق أن كرّره مرات عدة منذ 10 أشهر إلى اليوم، ولكن كمَن “يشتري سمك في البحر”، مؤكداً ارتباط هذا الملف “بالإرادة السياسية”… ويقول: في نهاية المطاف، لن يُقدم أي طرف دولي على إقراض لبنان المال لشراء الفيول، قبل إجراء الإصلاحات المطلوبة، وإلا فهو (أي الجانب الدولي) على يقين بأنه لن يستردّ تلك الأموال كون لبنان كخزان مثقوب. من هنا على لبنان الإسراع في تطبيق الإصلاحات وأوّلها زيادة تعرفة الكهرباء، إنشاء هيئة ناظمة للكهرباء، تشكيل حكومة تتحلى بالصدقيّة المطلوبة….
ويخلص إلى القول إن “الموضوع سياسي بامتياز… أي يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة ترغب في حل أزمة الكهرباء… لينسحب إلى الملفات الأخرى، وما أكثرها”.