جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عشرة وزراء وأربعة مديرين عامين خلال اجتماع «اللجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام»، ليخلصوا إلى الاتفاق «على تطوير وتحسين الإيرادات للخزينة، الطلب الى وزارة المالية، وضع تقرير مفصّل بالمالية العامة وأوضاع الخزينة، الطلب الى مجلس الخدمة المدنية عرض تقرير مفصل عن أوضاع الإدارة العامة»، وذلك في سبيل تفعيل الإنتاجية واتّخاذ القرار اللازم لتأمين استمراريّة عمل الإدارات العامة.
قبله بأيام، أصدر ميقاتي تعميماً طلب فيه من «كل الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمجالس والصناديق والهيئات والإدارات ذات الموازنات الملحقة، تحديد كامل التقديمات والمنافع التي يستفيد منها العاملون لديها وأي نفقة إلزامية أخرى مرتبط احتسابها بالحدّ الأدنى الرسمي للأجور، على أن تكون المعلومات شاملة وتفصيلية وواضحة وعلى مسؤولية من أعدّها، وعلى أن ترفع المعلومات المطلوبة إلى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها عشرون يوماً».
في الواقع، فإنّ هذه اللجنة الوزارية بدأت عملها منذ أشهر، وهي لم تتمكّن حتى الآن سوى من التفاهم على حلول ترقيعيّة تسدّ انهيار قيمة رواتب القطاع العام، سواء من خلال المساعدة الاجتماعية، أو بدل الإنتاج أو بدل النقل، وهي حلول لم تسهم في حلّ أزمة اعتكاف موظفي هذا القطاع للعودة إلى وظائفهم، وسط تحديات تكاد تكون قاتلة:
أولاً، تدني إيرادات الخزينة العامة إن لم نقل انعدامها ما يحول دون سدّ حاجات تمويل أي زيادة على رواتب القطاع العام.
ثانياً، لا تزال مشهدية رفع سلسلة الرواتب ماثلة أمام الجميع وهي التي أظهرت حجم إخفاق الطبقة السياسية في وضع سلسلة مدروسة مالياً على نحو سليم. وبهذا المعنى ذكر تعميم رئاسة الحكومة أنّه «لكون زيادة الحدّ الأدنى للأجور سيرتّب أثراً مالياً على العديد من التقديمات والتعويضات والمنافع الأخرى التي يستفيد منها الموظف في القطاع العام وغيره، ما يوجب إعداد دراسة إستباقية لأي إجراء مرتقب قبل اعتماده، في سبيل توضيح انعكاساته على المالية العامة تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب بناءً على المعطيات الواضحة والكاملة وبعد تحديد أولي لأثره المالي».
ثالثاً، غياب الأرقام الدقيقة حول حجم القطاع العام بعد التخبّط الذي عكسته سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت على أساس تكلفة مقدرة بحوالى 1200 مليار ليرة وإذ بها تبلغ حوالى 3000 مليار.
في الواقع، فإنّ الفجوة في تحديد أعداد العاملين والمتعاقدين مع القطاع العام، تنبع من العشوائية التي تتّسم بها توظيفات المؤسسات العامة التي يبلغ عددها 91 مؤسّسة عامة تتمتع باستقلاليتها (الكهرباء، مصالح المياه، المستشفيات الحكومية…) لما تحويه من توظيفات سياسية، على أشكال قانونية مختلفة، تحول دون قدرة السلطة المركزية على تحديد أرقامها الفعلية والحقيقية.
وفق الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين فإنّ عديد القطاع العام بين الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات (1055 بلدية تضمّ حوالى 15 ألف موظف) والأجهزة الأمنية والعسكرية، كانت تقدّر في العام 2019 بحوالى 320 ألفاً، وهي تبلغ حالياً حوالى 300 ألف بعد إحالة حوالى 7 آلاف إلى التقاعد أو الاستقالة، فيما يبلغ عدد المتقاعدين أو المستفيدين منهم، حوالى 124 ألفاً ومعظمهم من الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ويشير إلى أنّ كلفة القطاع العام كانت تقدّر بحوالى 12 ألف مليار ليرة سنوياً (8 مليارات دولار قبل وقوع الأزمة)، أي حوالى 1000 مليار شهرياً. ويفترض أن تكلّف المساعدة الاجتماعية التي دفعت على شهرين إلى جانب بدل الإنتاجية وبدل النقل حوالى ألف مليار ليرة (أي 500 مليار كل شهر)، ولكن في حال ضمّ المؤسسات العامة للإدارات العامة كجهات مستفيدة، فقد يرتفع الرقم بشكل كبير ومجهول.
فاللجنة الوزارية، وبعد سلسلة اجتماعات اعتمدت خلالها سياسة الحلول المجتزأة الموضعية التي تتناول كلّ وزارة أو قطاع، على طريقة شراء الوقت واللجوء إلى المعالجات «على القطعة»، قرّرت البحث عن إطار شامل لأزمة رواتب القطاع العام بعد الحصول على دراستين، أولاً حول واقع الإدارة العام وثانياً حول مدى قدرة وزارة المال على تأمين التمويل.
لكن العلّة الأساسية تكمن في كيفية تأمين إيرادات لتغطية هذه النفقات حيث بيّنت مسألة الدولار الجمركي أنّ وزير المال يوسف خليل يحاذر اتّخاذ أي قرار غير شعبي من شأنه أن يثير نقمة الرأي العام، بطلب واضح من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحظّر عليه اتخاذ أي خطوة قد تؤدي إلى زيادة الرسوم أو الضرائب، حتى أن رفع تعرفة الكهرباء لا تزال موضع رفض من جانب الثنائي الشيعي. ولهذا ثمّة من اقترح في اللجنة الوزارية الذهاب إلى مجلس النواب حيث تناقش الموازنة العامة ليكون مصير الرواتب ضمن الموازنة على أساس خطة شاملة، بعد أن تعدّ وزارة المال دراسة مفصّلة للموارد التي ستغطّي الزيادات في الرواتب، وبعد تقديرها على نحو دقيق بعد دراسة واقع الإدارة بشكل مفصّل. والمقصود بالتوجّه إلى مجلس النواب لفرض أمر واقع وليتحمّل النواب مسؤوليتهم إزاء هذا الملف المعيشي الضاغط والحؤول دون تمادي لعبة المزايدات التي صارت سمة البرلمان الجديد.
كلير شكر – نداء الوطن