كلما انقضى يوم من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، صار شبح الفراغ أقرب إلى قصر بعبدا، وسط قلة المحاولات لإتمام عملية الانتخاب في وقتها، يقابلها فائض في المواصفات التي تنهمر من هنا وهناك.
مواصفات كثيرة تُطرح هذه الأيام في معرض رسم «بورتريه» رئيس الجمهورية الواجب انتخابه، وتتبارى القوى الداخلية في عرض المزايا التي يجب أن يتحلّى بها الرئيس المقبل، كأنك في «سوق عكاظ» او «برج بابل».
البعض يريد رئيس الجمهورية قويًا مفتول العضلات، والبعض الآخر يفضّله توافقيًا، ومنهم من يتمناه وسطيًا منحدرًا من سلالة «ابو ملحم»، وآخرون ينشدونه إصلاحيًا وصاحب قرار حر، وهكذا دواليك من مواصفات لا «جمرك» عليها.
لكن إحدى الشخصيات السياسية المارونية تعتبر انّ أهم صفة يجب ان يتحلّى بها الرئيس المقبل لم يتطرّق اليها احد بعد «وهي انّه يجب ان يكون فقيرًا، لا يملك ثروة مالية».
وقد أبلغت تلك الشخصية رأيها إلى مرجعية روحية، مؤكّدة لها انّ الرئيس الفقير هو القوي الحقيقي والسيادي الفعلي «لأن ليست لديه مصالح يخاف عليها و»يعتل همّها»، وبالتالي يكون متحرّرًا من هذا العبء، وقادرًا على اتخاذ القرارات وفق ما تقتضيه الضرورات الوطنية لا متطلبات حماية مصلحته الشخصية».
وتلفت هذه الشخصية إلى انّ التجربة أثبتت انّ بعض المسؤولين تكبلهم ثرواتهم ويصبحون أسرى لها في مواقفهم وخياراتهم، «خوفًا من ضغوط يتعرّضون لها او أثمان يدفعونها إن ذهبوا في اتجاهات سياسية واقتصادية تعارض هذه الإرادة الدولية – الإقليمية او تلك».
لكن هناك من يخشى من انّ المواصفات الرئاسية التي يطرحها اللبنانيون هي للتسالي فقط، كونها ممنوعة من الصرف في مراكز صنع القرار، حيث انّ الخارج هو الذي يتحكّم في نهاية المطاف باختيار رئيس لبنان وفق مقتضيات المرحلة لا وفق تطلعات الناس.
ومع ذلك، تشدّد الشخصية المارونية إيّاها على أهمية السعي إلى انتخاب الرئيس خلال مهلة الشهرين الدستورية الممتدة حتى 31 تشرين الأول، «لأنّ هامش لبننة الاستحقاق في هذه الفترة تحديداً يكون أوسع، بمعنى انّ القوى الداخلية تملك خلالها القدرة على تأدية دور أساسي في تظهير صورة رئيس الجمهورية، اما إذا تعذّر إنجاز الاستحقاق في الموعد الدستوري ووقع الفراغ بكل ما سيرتبه من تداعيات، فإنّ تأثير الخارج يصبح أكبر بكثير في هذه الحال، وقد يُفرض الرئيس فرضًا تحت وطأة تفاقم الأزمة، تمامًا كما حصل في تجارب أخرى عند تدحرج الأزمات حين كانت تأتينا التسويات والتسميات «معلّبة» في الخارج ومفصّلة على قياسه».
وتتساءل الشخصية المارونية: «إذا حصل إن هبط الرئيس في المظلة بدل ان ينبثق من الديناميات الداخلية، ماذا يبقى من السيادية التي ينادي بها الجميع، وان اختلفوا على فحواها؟ وماذا يبقى من الكرامة التي يدّعي الجميع الحرص عليها وان كان لكل منهم تعريفهم لها؟».
وتبعاً لرأي الشخصية المارونية، فإنّ أخطر ما يمكن أن نفعله هو «ربط الاستحقاق بقاطرة الملفات الإقليمية والدولية المتشابكة والمعقّدة. ولذلك علينا التقاط فرصة المهلة الدستورية لنقتنص رئيسًا مقبولًا وفق معاييرنا بالمقدار الممكن، قبل أن نفقد السيطرة على هذا الملف كليًا وننتقل قسرًا من موقع المبادر إلى موقع المتلقي، على قاعدة «نفّذ ثم اعترض».
وتلفت الشخصية المارونية إلى انّ الفراغ الرئاسي على سعر 1500 ليرة للدولار شيء، والفراغ على سعر 35 الفاً وما فوق شيء آخر، ولذلك فإنّ الشغور الذي جرى تحمّله في السابق سيصبح الآن أشدّ وطأة وأكبر كلفة، ما يستدعي السعي بكل جدّية ومسؤولية إلى تفاديه.
وبناءً عليه، تعتبر تلك الشخصية، التي هي على تماس مع الملف الرئاسي، انّ من سيعطّل النصاب سيبدو محرجًا كثيرًا هذه المرة، حتى ولو كان التعطيل حقًا ديموقراطيًا تبعًا لعدد من الاجتهادات.
الجمهورية