اشارت صحيفة الجمهورية الى ان على الرغم من انسداد الافق الحكومي وفشل الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي في التوافق على حكومة جديدة تقود المرحلة الراهنة، وتتولى مسؤولية الدولة واحتياجاتها في فترة الفراغ الرئاسي إذا ما تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة الستين يوما، فإنّ المستويات الدولية ما زالت ترسل اشارات متتالية، تحثّ فيها القيادات اللبنانية على منع سقوط لبنان في منزلقات خطيرة على وجوده، تُضاف إلى ازمته المالية والاقتصادية ما قد يذهب بلبنان الى مخاطر يصعب أو بالاحرى يستحيل احتواؤها، والشرط الاساس لمنع هذا السقوط، إتمام الاستحقاقات سريعا، سواء عبر تشكيل حكومة، او انتخاب رئيس جديد للجمهورية ووضع لبنان على طريق اعادة انتظام مؤسساته وسلطاته.
ولعل اخطر الاشارات المباشرة، وردت في تقرير حول ازمة لبنان وَضَعه فريق من خبراء احدى المؤسسات المالية الدولية، وأُبلغ الى جهات اقتصادية مسؤولة، وفيه ما حرفيّته:
اولاً، ان لبنان بلد غني بثروات ظاهرة، وغير ظاهرة، ولكن هذا البلد عومِل بقسوة وبطمع بلا حدود من المُمسكين بالسلطة فيه على مدى سنوات طويلة.
ثانياً، اسباب انهيار الوضع في لبنان متعددة ومتشعبة منها ما هو سياسي ومنها ما هو مالي واقتصادي ومنها ما هو إداري، وابرزها:
- سوء ادارة الدولة بشكل عام.
- إلغاء مبدأ المحاسبة الحقيقية، من خلال الاختباء خلف الصيغة الطائفية والمذهبية، والدفاع عن الفاسد وتحصينه طائفيا ومذهبيا.
- التقصير الفاضح والمزمن لدى المسؤولين عن السلطة في لبنان، لجهة عدم ترسيخ ما تسمّى “المسؤولية المجتمعية”، وعدم مبادرة الحكومات المتعاقبة في لبنان الى تفسير ما هي “الضريبة”، بما هي ثروة الدولة في جيوب مواطنيها، وبما هي واجب لصحة المجتمع، بل الحث على التهرّب منها، من خلال التلهي فقط الى ممارسة سياسات شعبوية غير مسؤولة. فعلى سبيل المثال، في فرنسا نسبة الضريبة من الناتج المحلي 44 %، بينما في دولة مثل تانزانيا 15 %، واما في لبنان فهي دون الـ 6 %. وهذه نسبة لا تكفي ابداً لسد بعض حاجات الدولة، ومن هنا فإنّ الضريبة التي تتم جبايتها تكفي فقط لسد جزء يسير جدا من حاجات الدولة، ولذلك تم اللجوء الى اموال المودعين في المصارف للصرف، مع ما يرافقه من فساد.
- إنعدام الرؤية الاقتصادية، والمشين في حالة لبنان انه لم يصل بعد الى اعداد خطة نهوض واقعية. ان ما اعلن في لبنان عن اعداد خطة للتعافي اعتبر خطوة ايجابية، لكنها لم تستكمل لاصطدامها بعوامل سياسية. المطلوب في حالة لبنان الاسراع في الخطة، مهما كان اسمها خطة انقاذ، خطة تعاف. فأيّ خطة للبنان بوضعه الراهن افضل من لا خطة، حتى ولو كانت هذه الخطة تتضمن ثغرات. ذلك ان هذه الثغرات يمكن تداركها في الممارسة. ولذلك الخطة اكثر من ملحّة. ولبنان فوّت فرصة وجود خطة في حكومة حسان دياب، حيث كان في الامكان السير فيها وتصويب ما اعتراها من خلل في بعض مضامينها. ولو أن الحكومة اللبنانية شاركت بهذه الخطة، لكان لبنان في وضع مالي واقتصادي واجتماعي افضل بعشر مرات مما هو وضعه حالياً.
ويسوّق التقرير مثالاً حول الادارة السليمة للدولة، حيث يستذكر ما قام به سلام فياض، حيث استطاع ان يثبّت الوضع الاقتصادي للدولة الفلسطينية بمسارعته فورا الى اجراء اصلاحات، رغم ان هذه الدولة محاصرة، وليست مستقلة، ولا تملك اي مقومات، ورغم ذلك لديها ثبات مالي، جراء الالتزام بالاصلاحات.
وبحسب التقرير فإن المطلوب ثورة اصلاحية شاملة في لبنان لا تستثني أياً من قطاعاته، ومن هنا فإن اي توجّه الى تخصيص مرافق الدولة اللبنانية في وضع الدولة الراهن، مردوده سلبي، حيث ان الاموال ستذهب مجددا الى جيوب الذين قاموا بـ”السياسة التدميرية” للبنان من الطبقة السياسية غير المسؤولة”.
ويحذّر التقرير من انّ مسودة تقرير لإحدى المؤسسات المالية الدولية (ربما البنك الدولي) يجري اعدادها، وما يرشح عنها يفيد بأنّ التقرير سيسمّي اربع دول فاشلة كليا: الصومال، اليمن، زيمنابوي ولبنان”.
ويسلّط التقرير النظر على ما يسمّيه “نكران الواقع والانتعاش الوهمي”، الذي وقع به اللبنانيون منذ بداية الصيف، وحديثهم عن صيف واعد واموال سياح ومغتربين، حيث ان كل ذلك لم يسد ولو جزءًا يسيرا جدا من حاجة لبنان، وشكّل ما يشبه “حبة مسكّن” غير فعالة لمرض عضال.
واخطر ما في التقرير عينه هو رفع درجة التحذير للمسؤولين عن السلطة في لبنان، بحديثة عما سمّاها “الحقيقة المتوحشة” التي سيصطدم بها لبنان حتماً، ما لم يبدأ بالاصلاحات الهيكلية والجذرية بصورة عاجلة جدا. يخطىء اللبنانيون إن راهنوا على انفراج في ازمتهم من باب الغاز والنفط في البحر، فاستخراجهما يتطلّب سنوات طويلة، وحتى ذلك الحين سيعاني لبنان من دون اصلاحات علاجية فورية.
ويشير التقرير الى انّ الضرورة الملحة امام لبنان تُحتّم المسارعة الى اقرار مجموعة القوانين الاصلاحية التي أشار اليها صندوق النقد الدولي، وتأخيرها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في البنان خطأ قاتل، فحال لبنان لا يحتمل تضييع المزيد من الوقت، وبمعنى أدق لبنان لم يعد يملك وقتاً ليهدره”. ويحذّر من أنه “إن لم تُسارع السلطات اللبنانية الى وضع الضوابط التي تحصّن العملة الوطنية، فلا سقف محدداً للدولار، ومن شأن ذلك أن يزيد من اهتراء الوضع المالي والاقتصادي، ودفع الازمة الى اعماق يصعب الخروج منها”.
الجمهورية