فلندع سلّم المواصفات التي أدرجها رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل جانباً، لأنّه بـ»التقريش السياسي» الفعلي لمواقف الرجل، هذا السلّم لا يساوي شيئاً طالما أنّه لا مرشح إلى الآن على طاولة جبران باسيل إلّا جبران باسيل!
الوزير السابق قال في مقابلته الأخيرة «بالنسبة إلينا، أهم المواصفات هي التمثيل. في الطبقة الأولى، هناك أشخاص لديهم صفاتهم التمثيلية التي لا يمكن نزعها عنهم. في الطبقة الثانية، هناك إمكانية لتجيير التمثيل لدعم شخص ما، وبالطبع هو تجيير قابل للإلغاء وليس دائماً. الطبقة الثالثة التي نرفضها هي أن يأتي أحد ما لا يمتلك تمثيلاً بشخصه ولا يحمل تمثيلاً مجيّراً له من أصحاب التمثيل. الطبقة الأولى هي الوضع المثالي. الطبقة الثانية غير مستحبة، ولكن نقبل بها لأن الوضع حرج وخشية الفراغ. الطبقة الثالثة مرفوضة تماماً، ولن نقبل أن يُفرض علينا أحد”.
يكاد المتابعون للاستحقاق الرئاسي يجمعون على أنّ باسيل لا يزال يتصرّف على قاعدة أنّه المرشح الوحيد، ولو أنّ حظوظه معدومة في هذه اللحظة، لكنّ الظروف قد تسعفه وتقلب المعادلة، ولهذا هو ليس مستعداً لاستقدام أي اسم آخر غير اسمه لطرحه على طاولة المفاوضات. يتفنّن الرجل ويبدع في ابتكار التوصيفات والمعايير والطرقات المؤدية إلى القصر، لكنه بالنتيجة لم يدخل بالجدّ.
وفي اعتقاد كُثر أنّ هذه السياسة تنمّ عن قناعة دفينة بأنّه لا يزال قادراً على «المراوغة السياسية»، تدفع به إلى استخدام كلّ الأسلحة، واستثمار كلّ الأوراق قبل رفع يديه استسلاماً لتفاهم سياسي مع حلفائه يعبّد طريق أحد الموارنة، إلى بعبدا. وهذه اللحظة لم تدنُ بعد.
وفق بعض المواكبين، لا تزال مروحة خيارات جبران باسيل، تبدأ تدرجاً بالآتي:
- المستوى الأول، الرهان على الوقت وعلى التطورات الاقليمية ليكون ترشيحه جديّاً وليصير موضع تفاوض رسمي. وبهذا المعنى يحرص على حصر معايير الرئاسة بالتمثيل الشعبي ليترك لنفسه خطاً للرجعة.
- المستوى الثاني، ابعاد خصومه وكلّ من يشكّل عليه خطراً في حال انتخابه رئيساً، لجهة تعريته شعبياً وتشظّي تكتله النيابي وهو احتمال جديّ اذا ما بلغ قصر بعبدا رئيس قادر على شدّ العصب المسيحي.
- المستوى الثالث، التفاهم مع حلفائه، وتحديداً «حزب الله» على مرشح للرئاسة يريحه ويضمن مستقبله.
لكنّ باسيل لن يبلغ هذا المستوى إلا اذا اقتنع أنّ فرص انتخابه، باتت صفراً، وأنّ الاسم الذي سيخلف الرئيس ميشال عون، لن يقضي عليه، بالمعنى السياسي.
في الواقع، أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس صفارة الانطلاق نحو قصر بعبدا، ليقطع الطريق بالدرجة الأولى على باسيل بعدما لمّح إلى طموحه الرئاسي حين قال «ما ليس مشروعاً أو طبيعياً على الإطلاق وليس مسموحاً أيضاً العبث بالدستور أو التمرد عليه أو البحث عن اجتهادات غب الطلب تتواءم مع هذا الطرف أو ذاك تلبي مطامح أو مطامع هذا أو ذاك من المرشحين «الطبيعيين». وأشار في معرض «استبعاده» رئيس «التيار الوطنيّ الحر»ّ إلى الاقتراع «للشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم وللشخصية التي توحد ولا تفرق. وللشخصية التي بقدر ما تحتاج الى حيثية مسيحية هي أيضاً تحتاج الى حيثية إسلامية وقبل هذه وتلك الحيثية الوطنية”.
ولكن هل يفتح باسيل الباب أمام ترشيحات من الصفّ العوني؟
يكتسب السؤال مشروعيته من كلام الأخير حول «تجيير التمثيل» بمعنى أن يتولى «التيار» تأمين التغطية الميثاقية أو التمثيلية الشعبية للمرشح، وهو المستوى الثاني من الخيارات التي تحدث عنها باسيل. وقد يكون القريب، من الصفّ العوني، أَولى من الغريب خصوصاً وأنّه في صفوف العونيين، و»تكتل لبنان القوي» أكثر من شخصية مارونية، بعضهم طامح، وبعضهم لا ينقصه أي شيء ليكون طامحاً ومرشّحاً.
هنا يتردد أنّ السفير فريد الياس الخازن (كان عضواً في «تكتل الإصلاح والتغيير») قصد بيروت حديثاً من باب اجراء جولة مشاورات واتصالات عسى أن تكون هذه الدورة من نصيب «الفئة» الثانية من الموارنة.
والأرجح أنّ النائب ابراهيم كنعان هو من الأسماء المتداولة في بعض الأوساط، ليكون مرشّح الاحتياط في حال أقرّ باسيل، بعجزه عن تحقيق الحلم. للنائب المتني شبكة علاقاته وخبرته البرلمانية الطويلة وحيثيته، التي تسمح له بالقفز إلى الحلبة الرئاسية بدفع من «تكتله». النائب آلان عون لا يقلّ شأناً ولديه المواصفات ذاتها، مع أنّه لم يُرصد في أي جلسة يقدّم نفسه كمرشح الصفّ الثاني. ولكن طالما أنّ الكرة في ملعب «التكتل» فيصير كلّ موارنة الكتلة، مشاريع مرشحين.
لكنّ لباسيل وفق المتابعين، سلّة مواصفات قد تجعل على سبيل المثال لا الحصر، النائب فريد البستاني مرشّحاً مفضّلاً لديه فيما لو طُلب منه وضع اسم على طاولة التفاوض الجدي، انطلاقاً من واقع أنّ البستاني لا يشكّل خطراً مستقبلياً على النائب البتروني، لا بحيثيته ولا بشخصيته، وليس من رواد نادي الطامحين إلى بناء زعامات شعبية… ومن هنا تبدأ حكاية بروفيل الرئيس المقبل.
كلير شكر – نداء الوطن