لجأت غالبية المدارس الخاصة إلى دولرة الأقساط، أو أقله استيفاء قسم بالليرة اللبنانية ومبلغ بالدولار تختلف قيمته بين مؤسسة وأخرى. بات الدولار المدرسي النقدي أمراً واقعاً على الرغم من قرار وزير التربية منع استيفاء الأقساط بغير العملة الوطنية. استبقت المؤسسات الخاصة النقاش مع الوزارة وتجاوزت لجان الأهل وكسرت قانونية الموازنة والقانون 515، ثم بدأت تساوم لقوننة هذا الموضوع تارة بإنشاء صندوق للمصاريف التشغيلية بالدولار وثانية بفرض القسط الدولاري على أهالي التلامذة المقتدرين، وثالثة باللعب على القانون حول وحدة التشريع… مرة ترفضه ثم تستند إليه عندما يكون لمصلحتها، مثل منح الـ90 دولاراً الشهرية من الجهات المانحة لمعلمي الرسمي، التي اعتبرتها مخالفة للقانون، وبالتالي يحق لها الحصول على الدولار من الأهالي ومن أي جهة لتسيير أمورها، لا بل إن اتحاد المؤسسات اعتبر أن دولرة الأقساط المدرسية تأتي في إطار استمرارية النظام التعليمي، مع العلم أن الدولار لا يذهب الى المعلمين في الخاص إلا بالقطارة متحجّجين بأنه للمصاريف التشغيلية وكلفة المازوت والصيانة وغيرها.
المفارقة أن عدداً من المدارس الخاصة رفعت أقساطها في شكل خيالي وبعضها قرر استيفاء معظم القسط بالدولار، حتى وصل الأمر في إحدى المؤسسات أن تستوفي أكثر من 5 آلاف دولار عن التلميذ الواحد، مبررة أن قسطها كان يتخطى الـ11 ألف دولار قبل الأزمة. وفي الإجمال بدأت غالبية المدارس تتقاضى قسماً من أقساطها بالدولار ضاربة عرض الحائط بكل القوانين أو النقاش في ضبط هذا التفلت الذي سينعكس على العملية التعليمية وعلى قدرة المواطنين على تعليم أبنائهم بسبب كلفته المرتفعة في ظل الانهيار وتهاوي القدرة المعيشية للأكثرية الساحقة من اللبنانيين وهم ليسوا بالضرورة موظفين في القطاع العام.
الأكثر خطورة أن لا أحد يضمن أين تذهب مساهمة الدولار التي يقال إنها ستودع في الصندوق المستقل وستخصّص لتلبية مطالب الأساتذة وحاجات المؤسسات التعليمية، فتسديد جزء من القسط بالعملة الخضراء لا يذهب أيضاً للتلامذة غير القادرين على التسديد، وكلنا يعرف أن ما يُسمّى المكاتب الاجتماعية تدور كلها في فلك الإدارات.
تحاول المدارس الخاصة أن تفرض تفسيراً خاصاً للقانون 515، معتبرة أنه عبارة عن تسوية مصلحية وليس قانوناً مقدساً، وهي تعرف أن تدخل وزارة الوصاية له حدود معيّنة. تريد أن تكون نسبة الـ35 في المئة للمصاريف التشغيلية بالدولار الأميركي ويجري تحميلها للأهل، فيما الـ65 في المئة أجور ورواتب الأساتذة تُدفع بالليرة، وبالتالي لا تدفع الأجور بالدولار ما دام القسم المرتبط بها هو لتشغيل المدارس. الأمر الخطير أيضاً هو أن بعض المؤسسات الخاصة ترفض الإفصاح عن المساعدات الخارجية والداخلية التي تأتيها بالدولار أو باليورو، وهو أمر حدث خلال العام الماضي، وحين يطلب وزير التربية مثلاً إدخالها في الموازنة تتحجّج المدارس بأنها مساعدات غير ثابتة، بما يعني أنها ترفض الشفافية والحديث عن الأرباح، وإن كانت الأزمة طالتها، لكن الكثير منها راكم أرباحاً طائلة ولم يفكر القيّمون عليها في كيفية اجتراح حلول وتسويات تمكّن الأهالي من الاستمرار في تعليم أبنائهم نوعياً وهم الذين لا يزالون يثقون بالمدرسة الخاصة التي تمثل أكثر من 72 في المئة من أعداد المتعلمين في لبنان.
هناك كلفة تتكبّدها المؤسّسات التعليمية، لكن التغوّل باستيفاء الأقساط بالدولار يضرب عدالة التعليم ويدمّر المدرسة نفسها!