تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عروض بيع كثيرة لأراض ومنازل وفيلات في القرى الجنوبية الحدودية بأسعار متدنية ومغرية، منها “فيلا من طابقين مع دونمَيْ أرض في قضاء بنت جبيل بثمن يقلّ عن 100 ألف دولار، قطعة أرض من 7 دونمات في قضاء مرجعيون على طريق معبّدة بثمن 49 ألف دولار أميركي”.
إعلانان لافتان بما أنّ “بناء منزل من طبقة واحدة بمساحة 190 متراً يكلّف ما يقارب الـ100 ألف دولار أميركي، بسبب ارتفاع أجرة العمال وأسعار مواد البناء” بحسب الخبير العقاري ومتعهّد البناء أحمد سويدان. لكنه يعيد تدني أسعار العقارات “إلى أن معدل دخل غالبية اللبنانيين المقيمين في المنطقة لا يزيد على 400 دولار، وهذه المداخيل لا تمكّن أصحابها من شراء العقارات أو بناء المنازل”.
ويلفت سويدان إلى “تراجع المغتربين عن استثمار أموالهم ومدّخراتهم في لبنان، بسبب الخوف من أزمات أخرى تبتلع ما تم استثماره، وهؤلاء بدأوا فعلاً بعرض عقاراتهم للبيع لاستثمار ثمنها في الخارج”.
“التوبة ما بقا عيدا”
هذا ما يؤكد عليه محمد قوصان، ابن بلدة فرون، أحد المغتربين القادمين من أفريقيا، بقوله: “التوبة ما بقا عيدا”، رفضاً لشراء أي عقار جديد، مبرّراً “لقد خسرنا أموالنا في البنوك، كما خسرنا قيمة عقاراتنا التي اشتريناها خلال سنوات الغربة”. يرى قوصان أن الاستثمار في العقارات منعه من تطوير أعماله في الخارج، “على أمل أن نعود الى بلادنا، ونعتمد في معيشتنا على بدلات الإيجار، أو على الأرباح التي قد نحققها من بيع العقارات، لكن ما حصل أن الإيجارات تدنّت قيمتها كثيراً، فقد كان بدل ايجار شقة لي في صور يؤمن لي دخلاً يزيد عن 400 دولار شهرياً، وهو اليوم لا يؤمن 100 دولار”. حتى الشقة المؤجرة نفسها “دفعت ثمنها 150 ألف دولار أميركي، ولا يزيد ثمنها اليوم على 50 ألف دولار”. لذلك يعتقد أن “المغتربين توقفوا عن شراء الشقق والعقارات، وباتوا يفضلون استثمار مدخراتهم في تطوير أعمالهم في الخارج، وهذا ساهم ويساهم في تراجع أسعار العقارات في المنطقة”.
يفضّل المغتربون استثمار مدّخراتهم في تطوير أعمالهم في الخارج
خوف من الاستثمار
يلفت أحد سماسرة العقارات في بنت جبيل إلى وجود “تناقض كبير بين أسواق السلع والمواد الغذائية والشاليهات والمنتزهات، التي يتهافت عليها المغتربون، وبين سوق العقارات. فالأخير جامد، رغم حركة المغتربين الكثيفة هذا الصيف. هؤلاء يبدون راغبين فقط بالاستجمام والتسوّق، وليس بالاستثمار”. ويشير الى أن “معدل سعر دونم الأرض في قرى بنت جبيل منخفض اليوم عن ما كان عليه قبل الأزمة بنسبة 40% تقريباً، وهذا ما يفسّر خوف المغتربين من الاستثمار مجدداً في العقارات”.
ويؤكد على ذلك المغترب واصف العلي عندما يشير الى أنه اشترى قبل الأزمة ثلاثة محالّ تجارية بسعر يزيد على 100 ألف دولار، بهدف استثمارها من خلال تأجيرها، “لكن أجرة المحل الواحد اليوم لا تزيد على 100 دولار، وعندما قرّرت بيعها لم أجد من يشتري بنصف القيمة”. ويرى أن “المقيمين لا يستطيعون شراء العقارات، باستثناء قلّة، كل طموح الشباب هو السفر، ومن هاجر منهم الى دول أفريقيا والخليج العربي وغيرهما، يعمل بأجر لا يمكنه من ادّخار الأموال وشراء العقارات”.
تراجع ورش البناء
في بلدة برعشيت التي لا يقيم فيها أكثر من ألف نسمة، ويزيد عدد مغتربيها على 5000 نسمة، يُعدّ سوق العقارات متوقفاً بالكامل، حتى إن “عدد ورش البناء انخفض بنسبة 70%، ومن يرغب في بيع الأراضي هم المغتربون أنفسهم، لكن بأسعار لا يقدر على دفعها المقيمون، رغم انخفاضها عن ما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة”، بحسب ابن البلدة أبو علي فرحات. يؤكد الرجل أن “معظم منازل البلدة فارغة، وتوجد أراض كثيرة يملكها المغتربون معروضة للبيع، لكن لا قدرة للمقيمين على شرائها، لأنهم أصلاً يعتمدون في معيشتهم على ما يرسله المغتربون”.
وفي بلدة شقراء المجاورة، انخفض سعر دونم الأرض من 35 ألف دولار إلى 20 ألف دولار، رغم أن البلدة تعتمد على المغتربين والتجارة. ويلفت أحد سماسرة العقارات في البلدة إلى أن “بعض عقارات المغتربين تُعرض للبيع بهدف استثمار أموالها في الخارج، بعدما كان المغتربون يستثمرون في شراء العقارات”.
وفي عدد من قرى وبلدات مرجعيون وصل معدل ثمن دونم الأرض إلى 10 آلاف دولار أميركي، في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة تهافتاً على بناء الشاليهات وأماكن الترفيه الخاصة. فقد وصل عدد الشاليهات التي تم تشييدها في المنطقة إلى ما يزيد عن 150 شاليهاً، رغم أن المنطقة قبل الأزمة كانت خالية تقريباً من الشاليهات السياحية، بحسب صاحب أحد الشاليهات في بلدة الخيام حسن عبدالله. ويرى أن “انخفاض أسعار العقارت، وخوف المغتربين من الاستثمار مجدداً في لبنان، سمحا للميسورين من المقيمين بالاستثمار في بناء المواقع السياحية المتواضعة لخدمة المصطافين”. ويلفت الى أن “من بين أهم أسباب انخفاض أسعار الأراضي في المنطقة عدم قدرة البلديات ووزارة الأشغال على شق الطرقات العامة وتعبيدها، ما جعل الأراضي غير المبنية والتي بمعظمها باتت بعيدة عن الطرقات المعبّدة، خارج حسابات الراغبين في البناء. لذلك فإن ورش البناء ترتفع عَمودياً في الأحياء السكنية”.
المصدر : داني الامين -الاخبار