رغم الانهيار الاقتصادي العمودي الحاد الذي يشهده البلد، هناك من قرر الاستثمار داخله وتعزيز السياحة الداخلية، وقد عادت لتنشط بشكل لافت هذه الايام.
إنه زمن الشاليهات التي انتشرت كالفطر في قرى الجنوب، كل منها ذو طابع مختلف، بعضها اختار الطابع التراثي وآخر المودرن. وفي المحصلة، دخلت الشاليهات على خط الاستثمار السياحي الرابح، فلكل منها هويته وتكلفته، وان كانت شاليه حومين الفوقا اكثرها غلاء، واحدثت ضجة كبرى بسبب تكلفة سعر اليوم التي حددت بـ350 دولاراً، تكلفة اعتبرها صاحبها عادية مقارنة بالخدمات التي تقدم داخل الشاليه. غير ان هناك شاليهات، اختارت الدخول على خط المنافسة سياحياً، كلها «مفولة»، وتكلفتها لا تتجاوز الـ120 دولاراً، فأصحابها اختاروا الدخول في هذا المجال كنوع من فرص العمل للصمود في وجه الازمة. ريحانة حسين واسامة قبيسي سيدتان قررتا خوض تجربة الشاليه كاستثمار سياحي داخلي، واحدة في عمق سهل الميدنة السياحي الذي تغزوه الشاليهات، واخرى على ضفاف نهر زوطر الشرقية، فالشاليه فرصة اقتصادية لهما، ومفتاح السياحة اليوم، تنطلق الاثنتان من قاعدة «ضرورة خلق فرص في لبنان، وتؤكدان أن السياحة الداخلية نشطت بشكل لافت هذه السنة، واسهم المغترب والسائح وحتى المقيم في تعزيزها، وهي نوع من الهجرة من الازمات الى الهدوء وراحة البال ولو ليوم او اثنين».
مئات الاماكن السياحية والتراثية وحتى الاثرية تنتشر في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، من قلاع ومتاحف ومغاور وغيرها، غير ان اللافت هذه السنة، تنشيط سياحة الشاليات وقد بدأت تتوسع في القرى والبلدات الجنوبية، وتستقطب الرواد وتسلط الضوء على اهمية خلق فرص عمل ولو «من ولا شي»، بدلاً من انتظار الفرج من دولة لم تعر السياحة الداخلية يوماً اهتمامها، ومع ذلك ينشط هذا القطاع وبقوة.
على مطل ولا اروع يقع شاليه المغارة، وقد اتخذ طابع التراث القديم، يقع عند تلة تشرف على سهل الميدنة والوادي الاخضر، اختارت صاحبته رَيحانة حسين ان يكون مختلفاً، تدرك ان الاستثمار السياحي مغامرة، ومع ذلك تؤكد أنها راجت في الآونة الاخيرة، وتحظى بإهتمام المقيم والمغترب، من دون ان تخفي ان الشاليه بالنظر الى خصوصيته، شكل حافزاً لكثيرين للهروب من الهم المعيشي والاقتصادي والاختلاء بالنفس داخل الطبيعة، وتلفت الى اهمية الاستثمار السياحي في البلد، «كي ننهض به مجدداً»، وبحسبها فإن الاقبال على استئجار الشاليه كبير جداً، وهو مفول حتى ايلول المقبل، وتعيد السبب الى حاجة الناس للراحة النفسية والفكرية معاً، أضف ان موقعه داخل سهل الميدنة اعطاه قيمة مضافة.
عادة ما كان الجنوب وتحديداً منطقة النبطية خارج خريطة السياحة الداخلية، رغم اكتنازها الكثير من المعالم السياحية، لطالما كان تسليط الضوء على قرى الجبل والساحل، أما الداخل فبقي مهملاً سياحياً وانمائياً، غير أن هناك من قرر تقديم نماذج سياحية من لا شيء، على حد ما تقول اسامة اسماعيل التي قررت مع شقيقتها اقامة شاليه عند ضفاف نهر زوطر الشرقية. انطلقت اسامة من الظروف الاقتصادية القاسية، فالوظيفة لم تعد تطعم خبزاً في لبنان، وان خلق فرص عمل هي الاساس، وتؤكد ان فكرتها جاءت من واقع ان البيت الشاليه يقع عند مطل على نهر زوطر الشرقية، بموقع مميز وسط جبال ونهر وطبيعة، وهي مقومات تجذب السائح الى المكان، وما يفرحها ان الطلب على الشاليه كبير، فالناس تريد الهروب الى واقع مختلف.
طريق متعرج داخل بلدة زوطر الشرقية، حيث البيوت الحجرية القديمة ترافقك باتجاه النهر، ما زالت الضيعة القديمة على حالها، بيوتها المتلاصقة، ودكاكينها الصغيرة، تجعل الزائر يمضي اجازة مميزة. في الطريق الى الشاليه جبال شاهقة وطبيعة مميزة تحملك الى عمق النهر حيث اختارت اسامة وشقيقتها اقامة الشاليه كنوع من تعزيز الاستقرار الاقتصادي لهما، اضافة الى تعزيز الحضور السياحي، فالشاليهات وجهة العائلات هذه الايام، والمغترب بحسب اسامة يبحث عن مكان هادئ بعيداً من الضجيج.
إنه زمن الهجرة الى الشاليهات، فالاقبال الكبير عليها يؤكد ان الناس تحتاج للراحة، وهذا ما عزز انتشار هذه البيوتات، واسهم وصول المغتربين في تنشيطها ما يعني تحريك العجلة الاقتصادية للقرى وبالفريش دولار.
رمال جوني – نداء الوطن