عندما تحصل أي جريمة، فإنّ أولوية المحققين ونقطة الإنطلاق في التحقيق بالجريمة، هما النظر إلى مَن هو المستفيد الأول والأكبر من هذه الجريمة بغية استقطاب بعض الخيوط والأدلة لبدء التحقيق المعمّق.
نحن اليوم في لبنان، نُواجه أكبر جريمة اقتصادية، اجتماعية، مالية ونقدية لنهب الشعب أجمع، وكل المؤسسات العامة والخاصة. سنُحاول التركيز الموضوعي على مَن هو المستفيد الأول من هذا الإنفجار الكارثي، وهذه الجريمة الفريدة والتاريخية؟
نذكّر بأن الدولة اللبنانية ما قبل الأزمة الإقتصادية الراهنة، كان دينها العالم يُقارب الـ 90 مليار دولار، وكان يَتزايد نحو الأعلى. الدين العام اليوم ما بعد الإنهيار أصبح نحو أقل من 10 مليارات دولار. وحتى هذه الديون المتبقية تخلّفت عن تسديدها عندما أعلنت رسمياً التعثّر المالي في آذار 2020. وهذا يعني أيضاً أن قيمة الدين العام المتراكمة والمتوجبة على الدولة قد انخفضت بطرفة عين إلى أقل من 90% من قيمته.
من جهة أخرى، نذكّر بأنه ما قبل الأزمة، كان حجم الدولة أضعافاً، وعلى نحو أكثر من إمكاناتها، وزيادة عن هذا العجز، تراكمت سلسلة الرتب والرواتب، وتلك الوعود الوهمية والتي كانت شيكاً بلا رصيد لموظفي القطاع العام. فبضربة عصا سحرية إنخفضت الكلفة التشغيلية وحجم الدولة الباهظ إلى أقل من 95% من قيمتها الأساسية.
نذكّر أيضاً بأن الدولة اللبنانية، حتى هذه اللحظة، لا تزال تملك كل أصولها، من مؤسساتها العامة، من كهرباء، مياه، إتصالات، ومرافىء برية وبحرية وجوية. وتملك أيضاً أكثر من 50% من مجموع العقارات في لبنان، كما تملك كل احتياطات الذهب الذي تزيد قيمته عن 15 مليار دولار، بحسب آخر تقرير وتدقيق.
هذا يعني أنه حتى هذه الساعة لم تتخلّ الدولة عن شبر أو سنت واحد من أصولها، لسدّ عجزها أو خسارتها الفادحة، على عكس الشعب المرهق والمنهوب الذي أُجبر على بيع بعض أصوله وممتلكاته وجنى عمره، لتأمين بعض لقمة العيش في ظل هذه الأزمة غير المسبوقة.
أخيراً، نذكّر بحزن وأسف أنّ الدولة اللبنانية، المسؤولة الأكبر عن هذا الإنهيار الإقتصادي في العالم، والمسؤولة عن ثالث أكبر انفجار في مرفأ بيروت، والمسؤولة عن أكبر جريمة مالية ونقدية دولياً، لا تزال تسيطر على الحُكم، وتلعب دور الحكَم في توزيع الخسائر والمسؤوليات، وهي التي تُحاسب الآخرين عن الجريمة التي ارتكبتها. هذا يعني أن القيّمين في الدولة لا يزالون يحكمون عوضاً من أن يُحاكموا، وهم يُحاسبون عوضاً من أن يُحاسَبوا، فتقنياً وعملياً ليس سراً مَن هو المستفيد الأول في أكبر جريمة مالية في التاريخ.