ما تزال المصارف تصرّ على تجاهل ما تبقّى من ودائع الناس وحقوقها، مما خلق حالة من الغضب والقهر أدّت في بعض الاحيان الى حالات اعتداء وعنف، وهو رد فعل على الاساليب الاحتيالية التي تمارسها المصارف.
ويعتمد كل مصرف سياسة خاصة به في محاولة لقضم اكبر نسبة من هذه الودائع العالقة التي يتم التعامل بها على انها غير ذات قيمة. فبعض المصارف اصبحت تضع قيوداً على تحويل الرواتب من الودائع المحجوزة مُشترطة وضع الاموال «فريش» ونقداً، وخفّضت مصارف اخرى حدود السحب، فيما تنشط حركة بيع «الشيكات» لتحقيق قضم إضافي من هذه الودائع، هذا بالاضافة الى اساليب ملتوية أُخرى كنّا قد أشرنا اليها مراراً، وتحضّ المصارف عملاءها على فتح حسابات جديدة بـ»الفريش» اللبناني او الدولار، وكأنها تحاول فتح صفحة جديدة تطوي فيها الودائع القديمة و»عفا الله عمّا مضى».
الأسوأ أن مستوى الثقة بالقطاع المصرفي انخفض الى مستوى مُتدن، فالناس متخوفة من ائتمان المصارف مجدداً على اموالها، وباتت تعتمد وسائل بديلة مثل شركات تحويل الاموال التي باتت تؤمّن خدمات مصرفية، او فتح حسابات في الخارج، وهذا ينعكس سلباً على الحركة الاقتصادية في لبنان.
العلاج الاساسي لإعادة الثقة هو مصارحة المصارف للناس بنحو شفّاف مصارحة شاملة تفتح فيها المصارف اوراقها امام الناس.
لن تُستعاد الثقة ما لم تتم الاجابة عن الاسئلة الاساسية التي نطالب بها مراراً:
• كم كانت الودائع في كل مصرف بالتفصيل والتواريخ وبالليرة اللبنانية والعملات الاجنبية؟
• كم من هذه المبالغ كانت في سندات الخزينة وكم هو الاحتياط الالزامي او الودائع في المصرف المركزي؟ وفي أي تاريخ؟ وبناءً على أي قانون؟
• كم أعاد المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ، خصوصاً انّ حاكم المصرف صرّح لـ»هنا بيروت» في حزيران 2022، انّه أعطى المصارف 24 مليار دولار بين عامي 2017 وآذار 2022؟
• هل أجبرها المصرف المركزي على الاستثمار؟ وبناءً على أي قوانين؟
كل هذه الاسئلة لا تطاولها السرّية المصرفية، وبالتالي نرجو أن لا تلجأ المصارف إلى التحجّج بالسرية المصرفية لعدم الإفصاح عن هذه المعلومات، علماً أن لا علاقة لنا بالعمليات التجارية الاخرى، ولا تهمّنا اسماء اصحاب الحسابات، بل عن المبالغ العامة بينها وبين المصرف المركزي.
لا تستطيع المصارف الاستمرار في دفن الرأس بالرمال والتصرف كأنه لم يحدث شيء، عليها التصرف بمسؤولية لاسترجاع الثقة، وان تدرك انّ عدم مصارحتها للناس سيُبقيها في خانة المتهم والشريك في عملية احتيالية كبرى دمّرت حياة كثيرين.
فادي عبود – الجمهورية