حبر كثير سال في قراءة ابعاد الاستفاقة الميقاتية المتأخرة على ملف التشكيل بعدما دخل في ثبات عميق اثر التكليف، عززته حرب المواقف الضروس التي خيضت بين التيار الوطني الحر ورئيس حكومة تصريف الاعمال حول اكثر من ملف وقضية. فالرئيس نجيب ميقاتي قرر فجأة ، وبعدما هدأت جبهات بعبدا -السراي والسراي- ميرنا الشالوحي، زيارة الرئيس ميشال عون لمئة سبب وسبب، تفندها مصادر سياسية مطّلعة على الاجواء الرئاسية عموما لـ”المركزية” في معرض شرح ظروف الزيارة وابعادها بالقول ان ميقاتي اغتنم عيد انتقال السيدة العذراء في 15 آب، مناسبة ليتصل بعون للمعايدة . فبادره رئيس الجمهورية بالقول “وينك مش عم نشوفك”.فرد ميقاتي “انا حاضر”، قال له عون “اذا طلاع بكرا”.
في الاجتماع، تتابع المصادر،وبعد سلام وكلام، تمت مناقشة تشكيلة حكومية من 29 وزيرا ، طلب فيها عون بابقاء وليد فياض في حقيبة الطاقة فوافق ميقاتي، بعدما كان سحب فياض من تشكيلته التي قدمها لعون في اليوم الثاني على التكليف. ثم اثير موضوع تغيير وزيري الاقتصاد والمهجرين.فاقترح ميقاتي للاقتصاد عمرالمرعبي وللمهجرين وليد عساف وابقاء الوزيرجورج بوشيكيان في حقيبة الصناعة بدل المهجرين، بحسب التشكيلة الاساسية. هنا طلب الرئيس عون التريث لبحث الطروحات والاجتماع لاحقا. فاقترح ميقاتي امكان تعويم الحكومة الحالية عوض تشكيل حكومة جديدة لكسب الوقت. فقال عون ايضا سنبحث الامر لاحقا. وعند هذه النقطة انتهى اللقاء الرئاسي.
هذا في مضمون اللقاء، اما في خلفياته ومراميه، فتقول اوساط قريبة من ميقاتي ان خطوته هذه جاءت اولا التزاما بالدستور وبجهوده التي لم تتوقف بهدف تشكيل حكومة، ولو كان عمرها قصيرا، الا انه يفضل ان ينتهي العهد مع حكومة كاملة المواصفات، لا ينفك المجتمع الدولي ينادي بتأليفها والشروع في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي لابرام الاتفاق معه في صيغته النهائية. وثانيا هي مثابة رد على الحملة الشعواء التي شنها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على ميقاتي محملا اياه مسؤولية عرقلة التشكيل والتسبب بأزمة دستورية في حال الفراغ الرئاسي استنادا الى دراسة يعدّها بعض القريبين من العهد تحول دون تسليم صلاحيات الرئيس لحكومة مستقيلة، على رغم ان النص الدستوري لا يؤشر الى ذلك. في حين ان ميقاتي يواجه ويرفض شروط ومطالب باسيل باجراء تعيينات وتشكيلات في نهاية العهد، ويفضل ترك الامر للحكومة الجديدة، لان اي تعيينات اوتشكيلات راهنا سترتدي الطابع الكيدي وحشر الازلام. وتضيف ان المؤشر الى الرغبة الباسيلية العارمة في هذا الاتجاه هو اجتماع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مع ميقاتي اثر اجتماع بعبدا الرئاسي واعلانه انه بحث في موضوع التشكيلات.
وتعتبر ان ميقاتي بخطوته هذه رمى الطابة في مرمى العهد وقطع طريق تحميله مسؤولية التعطيل، وهو اذ ادخل بعض التعديلات الى متن تشكيلته، فبما يتناسب وتطورات الايام الاخيرة التي ازعجته، وفق المصادر، لا سيما من وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي قال اليوم أن “الوثائق موجودة بتكليفي رسميا لكي اتفاوض واتابع مع الدولة السورية لعودة النازحين الى بلادهم. وقد حاولت مقابلة ميقاتي لكنه لم يتجاوب.” في حين ان انزعاج ميقاتي ناتج عن تفرد شرف الدين بقرار الزيارة مع وفد حزبي خلافا للمتفق عليه، شأن ازعج ايضا الرئيس عون الذي كان ينوي ايفاد وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار الى دمشق لترتيب العلاقات وبعض الامور والملفات الثنائية، الا ان شرف الدين “قوطب” على الزيارة، واسبغها بطابع حزبي.
على اي حال، تختم المصادر بالاشارة الى ان التشكيل بات ضرورة في ظل استحكام خلافات الداخل حول الملف الرئاسي وغياب الاهتمام الخارجي وبروز شبح الفراغ، وهو ما قرأ مؤشراته ثنائي امل -حزب الله فحضر في مواقف الطرفين واضاء على وجوب البحث في التأليف تجنبا لاشكالية دستورية غير معروفة عواقبها وتداعياتها الوخيمة حكما في بلد على شفير الانفجار.
المركزي