بالمختصر المفيد، سيبقى لبنان تحت الضغوط التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية بانتظار الانتخابات الإسرائيلية التي ستأتي برئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو على رأس حكومة بغية شنّ حرب استباقية على لبنان وغزة لتثبيت قوة إسرائيل في المنطقة، والهروب الى الأمام في موضوع التنقيب عن الغاز والنفط.
ويُضاف الى هذه القضية الخارجية أخرى داخلية تشير إلى أنّ تشتّت النواب وتفرق الكتل وانتقال بعضها من ضفة الى أخرى سيعيق بالوقت عينه تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس جديد للبلاد أيضاً.
ومن المحتمل أن تكون فرضية الحرب أكيدة، حتى لو تقدمت إسرائيل بعرض مقبول مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الى الدولة اللبنانية. قد يرفض لبنان العرض المتعلق بترسيم الحدود البحرية حتى لو تضمن الحل المناسب للبنان، وقد يقوم بوقت لاحق بربطه بالنقاط والمناطق المتنازع عليها براً على طول الخط الأزرق بغية ربط الإشكالات بعضها ببعض.
وبالنسبة إلى المصالح الروسية، هل ستسمح روسيا بتخفيف الضغط بهدف الحصول على غاز لأوروبا من جهة أخرى بهذه السهولة؟
وبالتالي قد تقوم روسيا وبالاتفاق مع سوريا، وإيران وحلفائها الإقليميين بالضغط لشن هجوم مباشر على إحدى المنصات المزروعة بالبحر لإطلاق شرارة الحرب ومن بعدها على الدنيا السلام.
هذا الاتفاق بين المجموعة الآنفة الذكر سيمنع إسرائيل من استخراج النفط والغاز. وبالتالي لن تتمكن من تأمين حاجة الدول الأوروبية للغاز، الأمر الذي سيساهم أولًا بإسقاط الأخيرة اقتصاديًا وسيضعها بمواجهة شعبها ثانياَ، إذ من المتوقع حدوث اضطرابات داخلية على خلفية الغلاء وعدم الحصول على التدفئة بأسعار مقبولة وبمتناول الطبقات الشعبية.
أما على الصعيد اللبناني، وفي السيناريو المعدّ للبلد والملاحظ من خلال متابعة الحياة اليومية، فيبدو أننا سنغرق بسرعة في مستنقع الإضرابات وشلّ مؤسسات الدولة وشلّ القضاء، ثم الإدارة العامّة وتوقف معامل الكهرباء عن الإنتاج، وتعطيل الجامعة اللبنانية، ورصف المودعين بمواجهة المصارف، وإرهاق الجامعات والمدارس مع الأهالي بأفعال وردود أفعال لا تنتهي.
هذا الكمّ من المشاكل، سيضع الناس في الشارع لمطالبة الدولة بالحقوق، والدولة بشخص الحكومة الغائبة وغير القادرة والمشلولة بحكم الصراعات على الحصص والفيتوات المتبادلة بين الأطراف لن تجد حلولاً مقبولة، ما قد يؤدّي إلى الوقوع في محظور الإشكالات المتنقلة والعابرة للمناطق.
إذاً، لا حكومة قادرة ولا حكومة موجودة بالأساس، وعلى ما يبدو أنّ هذا ما يرغب به مَن يسيطر داخليًا في لبنان، ومن يفاوض خارجيا، فتبدأ رحلة السقوط الأخيرة فلا يبقى حل أو مخرج سوى تفتيت لبنان – لا سمح الله بذلك – أو سمه ما شئت. وما كان يمكن الاستناد إليه جراء نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة من تغيير وإعادة ترتيب للحياة السياسية، سيسقط بمرور مواعيد الاستحقاقات الدستورية، إذ سيقع الافتراق والتباعد مجددًا وصعوبة التوصل لحلول بسبب المصالح الشخصية وما يظهر من مواقف بعض النواب التغييرين الجدد.
أمّا ما كان يمكن أن يُعول عليه من وساطات إقليمية أو دولية أميركية وأوروبية بالتحديد، سيختفي نتيجة الصراعات المتناسلة بين الدول، سواء بين الولايات المتحدة والصين التي لن تتوانى عن قضم تايوان بتوقيتها، أو بين أميركا مع الدول الأوروبية من جهة ومع روسي، الأمر الذي سيفقدنا الأولوية أو صفة الأزمات الملحة. فهل يتّعظ من بيدهم القرار في لبنان، والقدرة على مواجهة إيران وحلفائها، ويعودون الى رشدهم، ويحكّمون ضمائرهم، ويتخلّون عن حساباتهم الشخصيّة، وعن هوسهم بالنجوميّة والـTrend عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاستخراج حلّ لبناني يقي لبنان الشرّ المقبل؟ جورج س. غانم