بعد رفض رئيس الجمهورية توقيع قرار رفع الدولار الجمركي «اكتشفت» الحكومة أمس وجود صلاحية استثنائية لوزير المال تُمكّنه من تعديل قيمة الدولار الجمركي، وليس هذا فحسب فالدولار الجمركي الذي رفض رئيس الجمهورية احتسابه على دولار صيرفة وبعد توجّه لجنة المال الى احتسابه على 12 الفاً، توافقت الحكومة أمس على احتسابه على دولار 20 الفاً، وبالتالي ما على المواطن اليوم الا التحَسّب للأسوأ.
صحيح انّ نحو 600 سلعة هي في غالبيتها مواد غذائية ستكون معفية من الدولار الجمركي الا انّ هذه السلع حتى لو اجتازت قطوع الدولار الجمركي يبقى امامها نحو 6 رسوم سيصعب تخطّيها، خصوصاً متى اعتُمِد لدى تسعيرها دولار غير الـ 1500 ليرة أكان دولارَ صيرفة او دولار السوق او دولار 12 الفاً… ما يعني ان الدولار الجمركي هو غطاء لكارثة أكبر في انتظار اللبنانيين.
في السياق، يؤكد عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لـ»الجمهورية» انّ قيمة رسم الضريبة على القيمة المضافة ستزيد حُكماً مع ارتفاع الدولار الجمركي الى 20 الفاً لأنها تلحق به مباشرة، ما يعني ان الزيادة على الاسعار قد تفوق الـ 20 في المئة لأنّ الضريبة على القيمة المضافة تحتسب بعد احتساب الدولار الجمركي. واعطى مثالاً اي سلعة ثمنها 1000 دولار كان يدفع التاجر رسما جمركيا عليها بقيمة 10 % اي 150 الفاً، لكن بعد قرار رفع الدولار الجمركي سيصبح قيمة الرسم الجمركي عليها 3 ملايين ليرة، ما يعني ان كل سلعة جمركها 10 % وما فوق سيزيد سعرها بنسبة 20 % وما فوق. وبما انّ الرسم الجمركي في لبنان غير موحّد، فهذا يعني انّ الزيادات ستكون متفاوتة، لافتاً الى انّ الرسوم الجمركية تتدرج صعودا من 5 % الى 25 %. وقال: الى جانب الرسم الجمركي سيدفع التاجر رسوماً عدة وفق تسعيرة الدولار الجديدة التي ستحددها الدولة وتشمل رسوم كلفة الشحن، رسوم المعاملات الادارية في المرفأ، رسوم ارضية المرفأ، الدولار الجمركي، الضريبة على القيمة المضافة، توصيل من مستودعات المرفأ الى المخازن.
وأكد رمال انّ 90 % من السلع الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن سوف ترتفع من 20 الى 50 %، أما الـ10 % المتبقية فتمثّل السلع الغذائية المعفية، الا ان هذه ايضا سيزيد سعرها متأثرة بارتفاع قيمة الـ TVA وبقية الرسوم، وهذه الزيادة في مجملها ستكون اقل من 10 %.
وتخوّفَ رمال من ان يتوقف العمل في البلد لفترة الى ان يستوعب الناس الصدمة الكبيرة في زيادة الاسعار، لافتاً الى انّ ما سيعيد الحركة هي عمليات التهريب التي ستنشط إنما على حساب الاقتصاد الشرعي، وهذه ستكون خيط الخلاص للبنانيين نظراً للوفر بالكلفة.
من جهة أخرى، تساءل رمال: مَن حدّد السلع المعفية ومن قال انها وحدها اساسية في الحياة؟ فهل على اللبناني ان يكتفي بشراء الارز والسكر والزيت والحليب؟ هذا في الشق الحياتي. اما في الشق الاقتصادي فكيف يمكن للمواطن الذي يسحب وديعته وفق سعر صرف 8000 ليرة، وضمن سقوف معينة لا تتخطى الـ5 ملايين ليرة ان يتمكّن من دفع ثمن الغلاء الذي سيُضاف على اسعار السلع؟ واذا ما اراد ان يسحب المزيد من الاموال على شكل شيكات وبيعها في السوق الموازي فهو لن يحصل سوى على 15 % من قيمة كل شيك بالليرة. ونتساءَل ماذا تقدّم للمودع حتى يفرض عليه في المقابل رفع قيمة الدولار الجمركي وغيرها من الضرائب والرسوم، مثل الرسوم العقارية الرسوم المالية والطابع المالي وعقود البيع ورسوم تسجيل السيارات التي ستزاد عليه من 1500 ليرة الى 20 الفاً اي نحو 13 ضعفاً؟ ماذا عن القدرة الشرائية للمواطن أكان يعمل في القطاع العام او الخاص؟ ماذا عن القدرة الشرائية للمودع المحجوزة امواله في المصارف؟ هل يمكن تحريك البلد بضرائب يمكن ان يدفعها فقط نحو 5 الى 10 % من المواطنين كونهم بقبضون بالدولار او يعتاشون من اموال المغتربين؟
ورأى رمال أننا مقبلون على تضخّم كبير جدا وركود وكساد سيؤدي الى اقفال الكثير من المؤسسات والقطاعات ويقابلها خسارة الدولة لمداخيل تجبيها حالياً، اذ انه خلال الفترة الماضية مع إبقاء احتساب الدولارالجمركي على 1500 ليرة شَرّعت الكثير من المؤسسات وضعها بعدما بات دفع الرسوم للدولة اقل من كلفة التهريب، وبالتالي بعد إقرار رفع الدولار الجمركي يبقى قلة من القطاعات مُلزمة بالدخول الى لبنان عبر الجمارك، مثل السيارات. لكن السؤال، هل سيبقى بمقدور المواطن شراء سيارة؟
تخزين التجار؟
وردا على سؤال، أكد رمال انه غير صحيح انّ الاسراع بفرض الدولار الجمركي انما هو لخدمة التجار الذي يخزنون بضاعتهم من أكثر من عام ليبيعوها على السعر الغالي. وقال: في المفهوم التجاري لا يمكن تخزين بضاعة لأكثر من 90 يوماً والا يكون دخل التاجر بخسارة، عدا عن ان لا احد من التجار يحجب البيع عن زبائنه بحجة التخزين بدليل انّ كل الاعلانات والعروضات القائمة هي لجذب الزبون ولبيع السلع الموجودة كي نتمكن من تشغيل رأسمالنا. اضاف: نحن متضررون من الركود القائم في الاسواق، لافتاً الى انه رغم كل الحركة السياحية التي شهدها البلد لم يستفِد منها القطاع التجاري البتة بل بقيت محصورة بقطاعات معينة، بدليل اننا لم نشهد نهضة اقتصادية في البلد رغم أعداد السياح القياسية التي سجلت.
وقال: الحركة حالياً، اي قبل رفع الدولار الجمركي، شبه معدومة فكيف بعد رفعه؟ مشيراً الى انّ السلع المعمرة هي اول من سيدفع الثمن، لأنّ عددا كبيرا من اللبنانيين سيصبح غير قادر على اقتنائها، مثل المفروشات او الادوات الكهربائية وشراء الكتب والالبسة والاحذية…
وتابع: ان رفع الدولار الجمركي سينعكس سلباً على الخزينة لأنه سيساهم في تنشيط التهريب وسيَكثُر المهربون على حساب القطاعات الشرعية التي تلتزم بدفع الضرائب، أما الهوة بالاسعار فستكون كبيرة جدا.
ايفا أبي حيدر – الجمهورية