بكل عين وقحة يتحدث المسؤولون أو من هم في السلطة عن أن الدولة مقبلة على انهيار تام، ويحددون شهر أيلول كمحطة مهمة للمفاجآت والتطورات والتحركات والانفجارات الاجتماعية وربما الأمنية، ما يعني أن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات حتى أن الخبراء يقولون ان هذا الشهر سيشهد على تحلل الدولة أي أننا تخطينا مرحلة الانهيار حيث كان بالامكان القيام بخطوة اصلاحية الى مرحلة العدم حيث تسير الدولة وفق قاعدة “لا حياة لمن تنادي”.
أشلاء الدولة تتناثر في كل مكان حتى أن التقارير الدولية تشير الى أن لبنان بات من الدول المارقة والفاشلة في حين أن من هم في السلطة يعقدون المؤتمرات الصحافية لرشق بعضهم البعض بالاتهامات، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يدعو بصورة مفاجئة، الوزراء الذين ألغوا مواعيدهم، الى اجتماع غير رسمي ظنه البعض “سيشيل الزير من البير”، ونواب المعارضة يهندسون لقاءات غير مطابقة لمقاييس المرحلة ودقتها ولم يتمكنوا من التوصل الى انشاء جبهة موحدة لخوض معركة رئاسة الجمهورية من الخندق نفسه، ومسؤولون في القطاعات كافة يبشرون بالعتمة الشاملة وشح المحروقات وعام دراسي متعثر جداً، كل ذلك، والسلطة تتعاطى مع الملفات انطلاقاً من النتائج وليس من الأسباب أي كأنها فرد من المجتمع وليست سلطة تتمتع بكامل صلاحيات الحكم. وما يزيد الطين بلة، أن المرحلة المقبلة ستشهد استحقاقات مهمة ومصيرية، منها انتخاب رئيس الجمهورية، وترسيم الحدود البحرية كما أن الناس الذين أصبحوا في غالبيتهم من الفقراء يحسبون ألف حساب لعودة أبنائهم الى المدارس مع الارتفاع الجنوني في الأقساط اضافة الى تأمين المحروقات للتدفئة خصوصاً في المناطق الجبلية.
وفيما يرى بعض المحللين والسياسيين أن اللبنانيين ينجرون خلف الشائعات، ويتكلون على التنجيم لأنهم يمرون بأزمات متتالية، ويعيشون هاجس أيلول على أنه الشهر الذي سيكون مبلولاً لا بل مغمور بكل أنواع المخاوف والمخاطر من ون اللجوء الى أي معطيات أو معلومات واضحة، يؤكد البعض الآخر أن هذا التخوف من أيلول في محله نظراً الى تزاحم استحقاقاته وكثرة تعقيداته وارتباطه بمفاوضات وتسويات على صعيد المنطقة والتي سيكون لها تداعيات حتمية على الداخل اللبناني.
وفي هذا الاطار، يشير أحد المراقبين الى أنه نتيجة الانهيار والتدهور السياسي غير المسبوق في تاريخ لبنان، وتحلل مؤسسات الدولة، وغياب القدرة على ضبط الأمور، وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، باتت الناس تتوقع انفجاراً ما أو تحركاً لم يحصل الى الآن. ونتيجة عدم حصوله، تربط الناس هذا الموضوع بأيلول الذي يشهد استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية، والغالبية تتوقع الفراغ على هذا المستوى نظراً الى تركيبة المجلس النيابي وغياب الأكثريات، واستحقاق ترسيم الحدود البحرية. وبمعزل عن الواقع الخارجي وتسوية المنطقة والملف النووي الايراني واستحقاق الغاز، فإن الوضع الداخلي لم يعد يحتمل الاستمرار على هذا النهج. لذلك، لاحظنا في الفترة الأخيرة أن مؤسسات الدولة تتخبط لناحية عدم امكان تأمين المتطلبات الضرورية ومنها الكهرباء والمحروقات والقمح والرواتب، ما يدل على استحالة استمرارية الدولة خصوصاً أن مصرف لبنان استنفد معظم ما لديه من امكانات واحتياطات بالعملات الأجنبية في وقت لم تتمكن الدولة من تحصيل الأموال، بالتزامن مع توقف حركة الوافدين من مغتربين وبعض السياح الذين يضخون المال الأجنبي في السوق. ولا بد من الاضاءة على أمر خطير لا يركز عليه، وهو اضطراب الواقع المصرفي والتلميح الى أن أيلول سيشهد تغييراً في عمل المصارف القائمة وربما اعادة هيكلة بما تتضمنه من تصفية لبعض المصارف الصغيرة لعدم قدرتها على الاستمرار، واعادة رسم الأدوار التي إن حصلت ستكون نتائجها كارثية على الواقع. كما أن شهر أيلول يترافق دائماً مع استحقاقات مهمة بالنسبة الى اللبنانيين، ومنها بدء العام الدراسي الذي لا يمكن أن ينطلق هذا العام بصورة طبيعية نظراً الى الأكلاف الهائلة وعدم قدرة اللبناني على تلبية الاحتياجات. وفي هذا الشهر، يبدأ التحضير لموسم الشتاء حيث الحاجة الى المحروقات خصوصاً في المناطق الجبلية والتي باتت مكلفة جداً. لذلك، يتوقع كثيرون أن يحصل شيء غير اعتيادي خلال هذا الشهر.
وبالانتقال الى التطورات الخارجية، فإنه منذ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى طهران، حصل نوع من تسوية بشأن إنهاء التوتر في المنطقة، ورأينا بعدها ما حصل في العراق مع السيد مقتدى الصدر، وحل البرلمان والمطالبة بانتخابات مبكرة، واعادة تشكيل السلطة وفق أسس جديدة. كما أن تركيا تراجعت عن العملية العسكرية في شمال سوريا، وتوقفت اعتداءات الحوثيين على الدول العربية سواء في المملكة العربية السعودية أو في الامارات. وفي وقت نصت التسوية على أن الملف النووي الأميركي – الايراني سيشهد مع بداية أيلول خواتيم سعيدة لناحية التوقيع على الاتفاق واعطاء ايران بعض مطالبها، ترك لبنان يواجه مصيره واعادة ترتيب أموره وفق المعادلة الجديدة في المنطقة، ما سيجعل شهر أيلول في حالة مواجهة مصيرية في الداخل اللبناني. واذا تمكن الفرقاء السياسيون من ادارة الأمور بصورة جيدة وهادئة ومدروسة فيمكن أن يمر شهر أيلول بهدوء وسلاسة، أما اذا لم يكونوا على قدر المرحلة، فسيكون الشهر ساخناً جداً لأنه حكماً عندما تحصل التسوية في المنطقة لن يترك لبنان خارج اطارها.
ولا بد من التذكير بالتقارير الأممية المخيفة التي تتحدث عن خطورة الوضع في لبنان، وأخطر تقرير صدر عن معهد التمويل الدولي الذي وضع سيناريوهان للبنان لا ثالث لهما: الأول، الانهيار الكامل أي العدم نتيجة ارادة السلطة في ايصال البلد الى هذه المرحلة حيث سيشهد تناقصاً رهيباً في كل أنواع الخدمات من كهرباء ومحروقات ومياه واستشفاء وغيرها. أما السيناريو الثاني الذي يستبعده التقرير، فهو أن تقدم السلطة على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة التي على الرغم من آثارها على المجتمع، لا بديل عنها لانقاذ الوضع. كما أن تقريراً آخر يؤكد أن الانهيار منظم من السلطة السياسية. ويصف أحد التقارير لبنان بالدولة المارقة والمفلسة والفاشلة وغير القادرة على شيء. وأخطر ما يكون أن احدى الصحف العالمية، قالت في افتتاحيتها ان الدولة في لبنان انتهت، ولن يكون خلاص للبلد الا من خلال أمر ما يجب أن يستجد ما يعني أنها تلمح لالى تدخل أممي أو وصاية أو شيء من هذا القبيل. نحن في مرحلة التحلل الكامل، ومقبلون على استحقاق رئاسة الجمهورية، واذا لم يتم انتخاب رئيس، فستصبح المؤسسات الدستورية كلها في حالة العدم. لا رئيس جمهورية، حكومة لا تستطيع أن تمارس السلطة في نطاق واسع، ومجلس النواب سيكون في حالة انعقاد لانتخاب رئيس أي لا يمكنه التشريع والمراقبة والمحاسبة. وبالتالي، نصبح في حالة مؤسسات عدم غير فاعلة وغير قادرة وكأنها غير موجودة وحينها ستسود حالة الفوضى التي يمكن أن تأخذ أكثر من مسار. وهنا لا بد من التأكيد أننا قطعنا مرحلة الانهيار، والوضع مترد جداً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والاستشفائية والتربوية، ولا قدرة لما تبقى من دولة على معالجة أي من هذه الأمور لأنها فقدت القدرة على رسم السياسات ومعالجة المشكلات قبل وقوعها. لذلك، نسمع بالوعود الكثيرة التي معظمها لا ينفذ، حتى في معالجة وضع القطاع العام رأينا أن الدولة رفعت بدل النقل ولكن لم تتمكن من دفعه. وفي الخلاصة، شهر أيلول سيشهد على استحقاقات داخلية حاسمة وخطيرة جداً، واستحقاقات خارجية خطيرة جداً. لذلك، يعتبر شهراً مصيرياً مخيفاً، وطرفه بالتحلل الكامل لمؤسسات الدولة مبلول، وسيشهد حالة من العدم التي ستؤدي الى طرح صيغ جديدة للبنان.