صحيح أن رئيس الجمهورية ميشال عون عبّر عن “اشتياقه” للرئيس المكلف نجيب ميقاتي بعد انقطاع طويل بينهما، ودعاه إلى فنجان قهوة في القصر الجمهوري، لكن شوق عون لميقاتي لم يترجم إلى عشق في تأليف الحكومة واقتصر على رشف القهوة المرّة والتبصير، إذ تبين من قراءة الفنجان أن طريق التأليف مقطوع، لأن ميقاتي غادر القصر اليوم الأربعاء كما أتى، تاركاً التشكيلة الحكومية التي قدمها في حزيران الماضي يأكلها الغبار داخل أدراج مكتب عون.
ويبدو أيضاً أن عون لم يعد يشتاق للرابية بعد، وهو “مش ناوي ع الخير”، فلا يزال يعطل ويعرقل حتى آخر نفس من العهد بعدما قطع انفاس البلد والشعب، وهذه المرة من باب التدخل في القضاء وتجنيده لحساب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من اجل رفع معنوايته الرئاسية الهابطة.
البداية مع صبحية عون وميقاتي، إذ غادر رئيس الحكومة المكلف قصر بعبدا بعد لقائه عون، قائلاً، “تقدّمت بتشكيلة حكومية في 29 من الشهر الماضي وكان النقاش اليوم حولها وللحديث تتمة”.
وبالعودة إلى الفوضى التي يخلقها عون وباسيل، وضعت مصادر وزارية عبر “نداء الوطن” المشهد في خانة “تقطيع الوقت وملء الفراغ”، سواءً من خلال “ديوانية السراي” التي خصصت للتصريف الحكومي أمس، أو من خلال “صبحية بعبدا” التي خصصت للتأليف الحكومي اليوم بين رئيس الجمهورية ميشال عون والمكلف نجيب ميقاتي، مشيرةً إلى أنّ “مشاركة الوزراء العونيين بفاعلية في نقاشات وقرارات اجتماع السراي تؤكد أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون مصمم على عدم إخلاء الساحة الحكومية لميقاتي بل يعتزم أن يكون شريكاً مضارباً له في التصريف كما في التأليف حتى نهاية العهد”.
وفي الغضون، برزت المناشدة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى الجسم القضائي لكي ينتفض في وجه “أصحاب النفوذ”، متطرقاً في رسالته إلى القضاة بشكل خاص إلى قضيتي ملاحقة حاكم المصرف المركزي وانفجار المرفأ، وهو ما عاد وأكد عليه رئيس التيار الوطني الحر النائب في بيان تكتل “لبنان القوي” مساءً، مع التصويب بشكل مبطّن على الثنائي الشيعي في مسألة عرقلة تحقيقات المحقق العدلي في جريمة 4 آب.
وفي السياق، وضعت أوساط مراقبة الأمر عبر “نداء الوطن” في خانة سعي باسيل إلى زجّ القضاء في بازار “الابتزاز الرئاسي” لدفع حزب الله إلى مجاراته في أجندته وأهدافه الرئاسية، سواءً في ما يتعلق بالملف الحكومي أو في كيفية مقاربة مرحلة الشغور الرئاسي، لا سيما وأنّه توعّد في بيان تكتله بأنّ السماح لحكومة مستقيلة بأن تقوم مقام رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب رئيس جديد في المهلة الدستورية “سيفتح باباً للفوضى الدستورية وربما أكثر، وسيطلق عرفاً قد يجرّ الى أعراف جديدة” في إشارة إلى احتمال المطالبة ببقاء عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته حتى تاريخ انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
بدورها، أشارت مصادر سياسية إلى انه “لا يحق لرئيس الجمهورية التدخل بشؤون القضاء، انطلاقا من مبدأ الفصل بين السلطات أولاً، وتساءلت ثانياً، كيف يبيح لنفسه تحديد الملفات والقضايا التي يتوجب على القضاء ملاحقتها، انطلاقاً من غايات ومصالح سياسية خاصة، في حين يتجنب اثارة فضائح وزارة الطاقة بمليارات الدولارات المسؤول عن إدارتها والهيمنة عليها لأكثر من عشر سنوات متتالية، صهره النائب جبران باسيل، والتي أوصلت الدولة الى الإفلاس وحرمان اللبنانيين من التيار الكهربائي بالكامل.
ورأت المصادر عبر “اللواء” أنه لو أن الرئيس عون كان حريصاً على انتظام عمل القضاء بالفعل، لما كان احتجز مرسوم التشكيلات القضائية في ادراج الرئاسة منذ سنوات، لأن هذه التشكيلات لم تراع مطالبه بتعيين القضاة المحسوبين عليه في مواقع ومراكز حساسة من جهة، ولما كان اطلق يد القاضية غادة عون بتجاوز صلاحياتها ودورها واستغلال موقعها بتصفية الحسابات السياسية لمصلحة العهد والتيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل، على حساب المصلحة الوطنية العليا، والاهم إذا كان حريصاً على القضاء على هذا النحو، فلماذا لم يمثل شخصياً أمامه في ملف تفجير مرفأ بيروت، بعد تأكيده هو أمام الصحفيين، أنه تبلغ بوجود نيترات الأمونيوم من الجهات الأمنية المختصة قبل وقوع الانفجار، ولماذا حمى رئيس جهاز أمن الدولة انطوان صليبا المحسوب عليه من الملاحقة بالملف المذكور.
وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، أكدت مصادر في حزب القوات اللبنانية على غياب أي مساحة مشتركة أو إمكانية التقارب مع التيار الوطني الحر، معتبرة أن رئيس التيار النائب جبران باسيل تحوّل من الحديث عن التمثيل المسيحي إلى التمثيل الشعبي لرئيس الجمهورية، بعدما فقد “التيار” التمثيل المسيحي لمصلحة “القوات” وبات يعتمد على “الرافعة الشيعية”، أي حزب الله، مشيرة إلى أن هناك غضباً شعبياً ضده من مختلف الطوائف وعلى رأسها المسيحية.
وأوضحت مصادر “القوات” لـ”الشرق الأوسط” أن ثمة “مقاربتين لرئاسة الجمهورية، تلك التي يقدمها باسيل التي اختبرناها في العهد الحالي وتهدف لتغطية جمهورية حزب الله في لبنان وأوصلت لبنان إلى الكارثة والانهيار والعزلة، وتلك التي تقدمها القوات لجهة قيام جمهورية مختلفة تماماً وهدفها إخراج لبنان من هذا الواقع”.
واعتبرت المصادر أن “القوات” باتت اليوم الممثل الأقوى الشعبي والمسيحي وتعكس الخط التاريخي للمسيحيين في لبنان، بينما باسيل وعون عندما كانا الأكثر تمثيلاً انقلبا على الخط المسيحي التاريخي من خلال ضرب كل ثوابت المسيحيين لجهة قيام دولة وسيادة وتعددية وحرية وديمقراطية واستقلال وأعطيا كل هذه المقومات لدولة حزب الله”.
دولياً، يبدو أن طرف أيلول مبلول بالتحركات الدولية باتجاه الملف الرئاسي، وأشارت مصادر سياسية بارزة لـ”الشرق الأوسط”، إلى أن الفترة التي تفصل عن بدء الحراك الدولي في أيلول المقبل لتهيئة الأجواء أمام تأمين ولادة طبيعية لرئيس الجمهورية العتيد ستشهد تبادل الحملات السياسية التي يراد منها حرق هذا المرشح أو ذاك، مع أن المرشحين لا يزالون يحبسون أنفاسهم ولن يحرّكوا ساكناً قبل مبادرة الدول المعنية بالاستحقاق الرئاسي إلى تشغيل محركاتها باتجاه الأطراف الداخلية ذات التأثير في العملية الانتخابية.