بعدما هشّلت شركات القطاع الخاص، بفرضها عمولات تجاوزت 12 في المئة للتحويل من حساباتها إلى حسابات موظفيها، هل تتجه المصارف للتخلص من حسابات توطين القطاع العام؟ مئات آلاف الحسابات قد تبدأ البنوك بالتملص منها تدريجياً، تماشياً مع سياستها الانحسارية. فعدا عن أن هذه الحسابات تشكل ضغطاً هائلاً على فروع المصارف “فهي تمنع إقفالها”، بحسب مصدر مصرفي، “خصوصاً إن كان الفرع يتيماً في مناطق الاطراف البعيدة”. فالمصارف التي “أكلت” المودعين “لحمة”، ورمتهم “عظمة” انحصر همها حسبما يبدو بالابقاء على بضعة فروع في المدن الرئيسية “تعتاش على عمولات حسابات “الفريش” الباهظة، وذلك على حساب مواطنيها وموظفيها”.
المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه قال إن “الحكي يبقى أسهل من الفعل. فالنسبة الأكبر من حسابات توطين موظفي القطاع العام مربوطة بقروض شخصية وببطاقات ائتمان. والمصرف يتقاضى حقه منهم على آخر “مليم” من خلال خصم السندات وفوائدها قبل إنزال الراتب، هذا عدا عن عمولات السحب وتحويل المبالغ من الليرة إلى الدولار بحسب التعميم 161. وفي حال إقصاء حسابات التوطين ستضيع على المصرف مبالغ طائلة. حيث من المتوقع أن يتوقف الموظفون الذين لا تكفيهم رواتبهم لتسديد فاتورة المولد عن تسديد التزاماتهم، متى تحولت من المصرف إلى معتمد القبض. وذلك على غرار ما كان يحصل قبل فورة التوطين”.
في المقابل، ومن أجل تخفيض الكلفة “هناك 3 إحتمالات ممكن أن تلجأ اليها المصارف، من دون أن يعني ذلك الجزم بحتمية نجاح ما يجري التداول به.
الأول، الاشتراط على وزارة المالية حسم ما يترتب على الموظفين المقترضين قبل تحويل الرواتب اليهم عبر معتمدي القبض، وتسديد المبالغ للمصارف. إلا أن هذه الآلية معقّدة وقد ترفضها المالية من باب تخفيف الاعمال عن موظفيها، وزيادة النقمة على الدولة.
الثاني، أن تبدأ المصارف بالتخلص من الحسابات غير المدينة، والابقاء فقط على الحسابات المرتبطة بقروض. إلا أن هذه الخطوة دونها أيضاً عقبات، تتمثل في تعقّد آلياتها وخلقها تمييزاً سلبياً بين الموظفين، ولا سيما في ظل تطبيق التعميم 161.
الثالث، أن تكون دراسات الجدوى في المصارف بينت أن كلفة خدمة هذه الحسابات لجهة أعداد الموظفين، والإبقاء على الفروع وصرافاتها الآلية مفتوحة مع ما تتطلبه من كهرباء وأمن على مدار الساعة، أكبر مما تتقاضاه من سندات وفوائد بالعملة الوطنية على سعر صرف 1500 ليرة. خصوصاً أن نسبة كبيرة من القروض الشخصية المأخوذة على 5 سنوات بالحد الاقصى قد شارفت على الانتهاء، ولا قروض معطاة جديدة بعد العام 2019.
مع إقصاء حسابات توطين مئات شركات القطاع الخاص، وامتناع المواطنين عن الايداع لانعدام ثقتهم بها، وتوقفها عن الاقراض… لم يبق من هيكل المصارف إلا الاسماء. وسواء أبعدوا موظفي العام، أو لم يبعدوهم، فان القطاع يتداعى”، بحسب المصدر، و”إن استمر بعناد رفض إعادة الهيكلة والقيام بالاصلاحات المالية والإدارية المطلوبة فيسقط حكماً، ويُسقط معه ما تبقى من أمل بالنهوض للقطاع المصرفي، ولبقية القطاعات الإنتاجية والأسرية في لبنان”.