عاش اللبنانيون ساعات انتظار ثقيلة لمعرفة مصير اتفاقية الفيول العراقي، قبل أن يعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال موافقة السلطات العراقية على تجديد العقد. لكن يبدو انّ تفاصيل الاتفاق غامضة لجهة التنفيذ، وقد تَلقى معارضة شعبية عراقية.
في تقرير أعدّه الصحافي العراقي كريم إذهيب، ونشره موقع «درج»، أكثر من علامة استفهام حول الاتفاقية بين لبنان والعراق، والتي يصدّر بموجبها العراق للبنان «مليون طن من النفط الأسود مقابل 2.4 مليار كيلوغرام من التفاح اللبناني، وهذا يعني إغراق العراق بالتفاح لأنه من غير المعقول أن يستهلك العراق يومياً نحو 7 ملايين كيلوغرام من التفاح المستورد، في حين أنّ استهلاك العراقيين سنوياً من جميع الفواكه لا يزيد عن 2.5 مليار كيلوغرام».
يضيف التقرير الصحافي: مع نهاية آب الحالي، تنتهي صلاحية العقد المُبرم بين الحكومتين العراقية واللبنانية لتزويد لبنان بنحو مليون طن من المحروقات لدعم معامل الكهرباء المتهالكة، وتأمين ساعات تغذية قليلة للبنانيين الذين يعيشون في عتمة شبه كاملة.
شركة كهرباء لبنان أعلنت أنّ لبنان يتجه إلى العتمة الشاملة مع نهاية آب، بسبب عدم تجديد العقد مع العراق لتأمين المحروقات. والعقد يفترض أن ينصّ على تزويد لبنان بالنفط الأسود، في مقابل سلع وخدمات يقدمها لبنان للعراق. ولم يجر حتى الآن الاتفاق على المقابل الذي سيتقاضاه العراق مقابل النفط. لكن الحكومة اللبنانية أعلنت أن العراق وافق على تمديد تزويد لبنان بالوقود لمدة سنة.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن «الحكومة العراقية وافقت على الطلب الذي تقدّم به ميقاتي من أجل تزويد شركة كهرباء لبنان بالوقود لمدة سنة بالشروط نفسها التي كانت متّبعة حتى الآن». لكن ما هي هذه الشروط؟ لا أحد، في الجهتين العراقية واللبنانية، يُفصح عنها، خصوصاً أن العقد الأول الذي انقضت مدته لم يتلق العراق خدمات أو بدلاً عَينياً أو مالياً لقاء النفط الذي يعطيه إلى لبنان، وهو أمر يُغضِب الشارع العراقي الذي يرى حكومته توزّع النفط للكهرباء، فيما يعاني العراقيون من انقطاع كبير في التيار الكهربائي نتيجة الفساد والهدر.
وقد تضمّن الاتفاق العراقي – اللبناني السابق بيع مادة زيت الوقود بواقع مليون طن سنوياً، وفق السعر الذي تعتمده شركة تسويق النفط العراقية SOMO في شهر تحميل الشحنة ويستخدم زيت الوقود إمّا استخداماً مباشراً في محطات توليد الكهرباء في لبنان أو تكريرها على حساب الحكومة اللبنانية الى المنتجات الثانوية النفطية أو استبدالها مع طرف ثالث بهدف تغيير المواصفات لاستخدامها من قبل الحكومة اللبنانية.
تُنظّم عملية البيع بموجب ما يتم توقيعه بين شركة تسويق النفط العراقية والجهة الحكومية اللبنانية على أن يكون المشتري كياناً عائداً إلى الدولة اللبنانية».
لم يتلق العراق من لبنان خدمات أو بدلات مادية أو عينية مقابل النفط المرسل إليه، وهو ما يعني أن المسألة ستكون أكثر إحراجاً للحكومة العراقية أمام شعبها.
تخوّل وزارة المالية العراقية البنك المركزي العراقي بفتح حساب مصرفي وإدارته لدى مصرف لبنان بالدولار الأميركي لأغراض الاتفاق حصراً، فضلاً عن توريد مادة زيت الوقود الثقيل بعد فتح اعتماد مستندي غير معزّز باسم إحدى الجهات الحكومية اللبنانية أو شركة كهرباء لبنان من خلال مصرف لبنان، لمصلحة البنك المركزي العراقي، نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية لتوريد مليون طن من تلك المادة وفق آلية الدفع المؤجل. وذلك بعد مرور سنة واحدة على تاريخ قبول مستندات الشحن بحيث يتم سداد كامل قيمة المستندات في حساب البنك المركزي العراقي المفتوح لدى مصرف لبنان.
يتم تحويل رصيد البنك المركزي العراقي لدى مصرف لبنان إلى وديعة مصرفية لمدة سنة واحدة وتجدّد تلقائياً باتفاق الطرفين، وتستحق الفائدة على الرصيد وفقاً لما هو معمول به لدى مصرف لبنان.
يستخدم الجانب العراقي، حصراً، رصيد الحساب أعلاه كلياً أو جزئياً وفقاً للآلية التي سيتم الاتفاق عليها مع الجانب اللبناني، لغرض شراء السلع والخدمات لمصلحة الوزارات والمؤسسات العراقية، على أن يضمن مصرف لبنان استلام الجهات اللبنانية التي تقدم الخدمات للجانب العراقي مستحقاتها باستخدام أوامر الدفع نقداً بالعملة المحلية ّعند الطلب، ومن الرصيد المتجمّع في حساب البنك المركزي العراقي المفتوح لغرض تنفيذ هذا الاتفاق لدى مصرف لبنان، وبحسب سعر منصة صيرفة أو سعر السوق الموازي المعتمد لدى مصرف لبنان».
الجانب اللبناني كان قد أعلن، قبل تجديد الاتفاق، عن اقتراح لـ«تصدير التفاح إلى العراق مقابل النفط الأسود»، وجاء هذا الاقتراح من الهيئة اللبنانية لمعالجة المسائل الانمائية في الشمال وذلك خلال اجتماع الهيئة برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي.
وقالت الهيئة إنها قدّمت «اقتراحاً من أجل شراء التفاح اللبناني من المزارعين وتصديره إلى العراق، في مقابل تزويدنا بالفيول كخطوة أولى، وسيكون لها آثار إيجابية على الاقتصاد اللبناني بشكل عام وعلى المزارعين بشكل خاص».
المقايضة اللبنانية
وفقاً للأرقام التي يحللها الأكاديمي الاقتصادي العراقي نبيل المرسومي، تبدو الصيغة اللبنانية المقترحة غير قابلة للتحقق. فكمية النفط الأسود التي يطلبها لبنان هي مليون طن فيما سعر الطن الواحد 600 دولار، أي أن قيمة النفط الأسود المصدّر إلى لبنان تبلغ 600 مليون دولار في وقت يبلغ سعر كيلو التفاح المستورد من لبنان 25 سنتاً وسعر طن التفاح اللبناني المستورد 250 دولاراً.
ويضيف المرسومي في مقابلة مع «درج» أن «العراق سيُصدر مليون طن من النفط الأسود مقابل 2.4 مليار كيلوغرام من التفاح اللبناني، وهذا يعني إغراق العراق بالتفاح لأنه من غير المعقول أن يستهلك العراق يومياً نحو 7 ملايين كيلوغرام من التفاح المستورد، في حين أن استهلاك العراقيين سنوياً من جميع الفواكه لا يزيد عن 2.5 مليار كيلوغرام».
وعلى ذلك، يبدو المقترح اللبناني غير عملي وغير مجدٍ بحسب المرسومي الذي يراه غير ممكن التطبيق عملياً، ومن الأفضل الاستمرار بالاتفاق السابق إذا كان العراق فعلاً قد استلم قيمة ما صَدّره سابقاً من النفط الأسود إلى لبنان.
يعلّق الخبير الاقتصادي عبد الأمير الميالي على طرح مقايضة النفط بالتفاح، بأن هذه المسألة على الأرجح تأتي لتغطية قيام العراق بتزويد لبنان بالمنتجات النفطية بشكل مجاني او بأسعار رمزية، وهو ما أثار ضجة واعتراضات في الشارع العراقي، خصوصاً أن العراق، ومع انه بلد نفطي، يعاني أزمة كهرباء.
الميالي أشار إلى ضرورة إخضاع المنتجات اللبنانية الزراعية (التفاح في الحالة المقترحة) للرسوم الجمركية للروزنامة الزراعية حتى لا يكون لها دور سلبي على المنتج الزراعي العراقي.
في كل الأحوال يبدو أن هذه المقايضة ليس لها أي حظوظ في النجاح، فقد علم «درج» من مصادر حكومية ان العراق لم يتلق من لبنان خدمات أو بدلات مادية أو عينية مقابل النفط المرسل إليه، وهو ما يعني أن المسألة ستكون أكثر إحراجاً للحكومة العراقية أمام شعبها، مع توقيع العقد الجديد، وإرسال مليون طن نفط إلى بلد حكومته فاسدة ولا تَفي بالتزاماتها لا أمام شعبها ولا أمام المجتمع الدولي والدول الصديقة.
الجمهورية