لطالما كان السلاح غير الشرعي وتسلح المجموعات اللبنانية وغير اللبنانية بحجة تحرير الارض او المقاومة او حماية لمجموعات طائفية أو مذهبية أو غير ذلك من الحجج، عنصر خلاف داخلي لبناني وإلتباس اقليمي ودولي.
لنتفق اولاً على تعريف السلاح غير الشرعي: هو كل سلاح يحمله شخص او مجموعة غير خاضعة لسلطة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية الامنية والعسكرية. غير ذلك من انواع حمل السلاح حتى ولو كان مُرخصاً او مُنظماً او معلوماً به من قبل المؤسسات الامنية والعسكرية الشرعية لا يُعفي عن حامله صفة السلاح غير الشرعي.
فالسلاح غير الشرعي غالباً ما يُستخدم لغايات حزبية أو سياسية أو مناطقية او اقليمية أو دولية. انه لا يقوض الدولة ومؤسساتها فحسب بل يحد من قدرتها على تحقيق الامن والعدالة وبسط سيطرتها على كافة اراضيها. أيضاً يجعلها عُرضة للتدخلات الخارجية.
السلاح غير الشرعي يحد من قدرة أي دولة على النمو والازدهار واتخاذ القرارات بحرية، ويضعف من قدرات أي دولة اقتصادياً ويهدد المجتمع بكل مكوناته. اما في الحالة اللبنانية، فيعطي السلاح فائض قوة لبعض المجموعات على حساب مجموعات أخرى، مما يجعله عُرضة للانزلاق إلى حد خوض حروب وحوادث امنية وتاريخنا الحديث غني بالامثلة.
من هنا لا بد لنا من الاعتراف ان كنا جادين ببناء دولة قوية قادرة، ان الدولة ومؤسساتها هي الهيكل الوحيد المناط به حماية الوطن والمؤسسات والأرض والشعب. وان كل سلاح غير شرعي ومنتشر لأي كان ومن اي جهة أتى، يجب ان يُسلم للدولة اللبنانية. ولكن علينا مواجهة معضلة خطيرة ان كنا نريد حقاً انهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي والمتفلت. فالتعقيدات المناطقية والطائفية والداخلية والخارجية وحتى الاقليمية، تجعل التطرق الى السلاح من أخطر المواضيع واكثرها صعوبة.
ان كنا جادين، علينا الدخول من باب ما. علينا العمل على مسارين متساويين ومكملين لبعضهما البعض. علينا فصل المسارات بين سلاح حزب الله والسلاح الآخر. المسار الاول يكمن في تسليم كل سلاح غير شرعي ومتفلت للدولة للبنانية كسلاح كل العشائر وسلاح الاحزاب (الخفيف والمتوسط والثقيل) على سبيل المثال لا الحصر حركة امل، الحزب القومي (بكل أجنحته)، الحزب التقدمي الاشتراكي، القوات اللبنانية، وكل تنظيم من دون اي استثناء وتحت اي ذريعة كان. اضافة الى سلاح ما يسمى “سرايا المقاومة” وسلاح الحماية للفئة المسماة “شخصيات”. يجب ايضاً تسليم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها واي سلاح غير لبناني اخر. على الدولة ايضاً العمل على وقف تراخيص حمل السلاح وعدم السماح ان يُحمل السلاح من افراد ليس لديهم اي صفة رسمية لبنانية وليسوا من عديد القوات المسلحة.
من غير الطبيعي ان تحمي الاحزاب نفسها من خلال مجموعات مسلحة ولأهداف سياسية حزبية أو أجندات إقليمية. من المنطقي ان كنا نريد بناء وطن ودولة ان يُسلم كل هؤلاء اسلحتهم وعتادهم العسكري ومنظوماتهم الامنية للدولة اللبنانية ومن دون ان اي تأخير. واقل الايمان هنا، ان تكون الدولة قادرة على حماية الكل عندما يقررون ذلك. من ضروب الخيال ان يكون من في الحكم والدولة لديه مجموعات مسلحة وعناصر امنية. لا يمكن الدمج بينهما ابداً. إما الدولة أو الميليشيات. لان اي حزب عندما يبدأ العمل العسكري تسقط عنه فوراً الصفة الحزبية وتُناط به صفة الميليشيا. لذا عندما يُسلم كل هؤلاء أسلحتهم، نكون قد أنهينا جزءاً من المشكلة. لان الكل دون استثناء يتحدث عن نزع سلاح حزب الله وينسى او يتناسى سلاح المجموعات الاخرى وهو سلاح خطير متفلت ومزعج ويقوض الدولة ومؤسساتها.
اما المسار الثاني والاصعب والأخطر فهو البحث بصيغة من اجل تسليم سلاح حزب الله وتفكيك شبكاته الامنية. المعضلة تكمن هنا ان سلاح حزب الله هو سلاح اقليمي ومرتبط بمشاريع اقليمية. والاخطر ان اي حبكة لسلاح حزب الله غير محسوبة بدقة قد تؤدي الى خراب لبنان أكثر. لذا علينا ان نكون جاهزين للحظة الاقليمية الدولية التي قد تأتي يوما ما، وتُنهي سلاح حزب الله. علينا من الان حتى تسليم هذا السلاح، ان نُحدد أعرافا وقواعد إشتباك للتعامل معه. المقصود هو “تعطيل السلاح” في الداخل والتنسيق التام مع القوات المسلحة الشرعية عند اي استعمال للسلاح ضد العدو الاسرائيلي.
تعطيل السلاح يتطلب نمطاً مختلفاً من العمل السياسي الداخلي والخارجي. على الصعيد الداخلي يجب ان يتم الدخول في حوار مستدام وبناء مع حزب الله ومع كافة المجموعات اللبنانية من اجل وقف التخوين وبناء ثقة بين حزب الله والكل دون استثناء. على الجميع العمل من اجل ترويض حزب الله ولبننة سلاحه. علينا جميعاً ان نحمي حزب الله من اي انتقام اسرائيلي ضد افراده وقيادته. وعلينا ان نكون واقعيين في هذه المقاربة، فبعض المجموعات والاحزاب تتهم حزب الله مباشرة ببعض الاغتيالات السياسية. اعلم ان هذا الطرح قد يكون خيالياً، ولكن في الوقت الحالي ليس لدينا اي حلول اخرى نتكل عليها. اما على الصعيد الخارجي، يجب العمل على رفع وتيرة الضغط البناء اقليمياً ودولياً ومع صناع القرار من اجل تعطيل السلاح وتحييد لبنان من اي صراع عسكري او امني مع العدو الاسرائيلي.
وان كان لا بد من المواجهة مع العدو الاسرائيلي بسبب استخراج الغاز او النزاع الحدودي او اي عدوان اخر، على الضغط البناء ان يعطي القيادة والاُمرة للجيش اللبناني. انني من اوائل المطالبين بتسليم السلاح للدولة ومؤسساتها، ولكن اذا كان هذا الخيار مستحيلاً فعلينا بتعطيل السلاح وترويض حامليه واشراكهم تحت سقف الدولة ومؤسساتها، بانتظار اللحظة الإقليمية والدولية.
هذا الطرح ليس صك براءة او اعفاء لحزب الله من تحمل مسؤولياته وتسليم سلاحه للدولة. على العكس الفكرة هي تحميل حزب الله وسلاحه مسؤولية تدهور أحوال لبنان وانهيار مؤسساته في حال عدم إنضوائه تحت مظلة الشرعية اللبنانية في إنتظار اللحظة الإقليمية والدولية المؤاتية.
الكل يعلم هنا ان الحل ليس عند حزب الله بل عند النظام الايراني والمجتمع الدولي. لذا علينا ان نكون جريئين في تعطيل السلاح ومفاعيله علنا نستطيع بالحوار والضغط السلمي البناء الوصول الى المرتجى في بناء الدولة.
غالباً ما يُقسم انهيار الدول او فشل بعضها الى سببين اساسيين سواء ما هو متعلق بالمصير او destiny أو ما يتعلق بالسياسات. فالسبب الاول لا يتحكم به احد مثل حدود لبنان مع سوريا واسرائيل وانعكاساته السياسية والامنية والاقتصادية علينا. والسبب الثاني متعلق بفشل من في الحكم في لبنان باتخاذ القرارات المناسبة. فإذا كان مصيرنا صعباً ومعقداً ولا يمكن تغييره، علينا ان نقدم لأول مرة في تاريخنا الحديث على مقاربة المواضيع الشائكة بجدية وعقلانية واتخاذ القرارات المصيرية بطريقة مهنية علنا نُعيد بناء لبنان الجديد العادل الحر والمستقل والقوي. والمقتدر والمزدهر.
د. هاني عانوتي – النهار