لم يكن حادث احتجاز رهائن في أحد المصارف من قبل مودع، أمراً عادياً سواء من حيث التوقيت أو من حيث الدلالات، إذ يأتي في لحظة حافلة بالتحديات أمام القطاع المصرفي، والتي أتت نتيجةً لتراكمات انطلقت منذ بداية الأزمة المالية في العام 2019 وإعلان إفلاس الدولة في العام 2020 والتوقف عن الدفع بالدولار، كما يرى فيه الكاتب والخبير الإقتصادي أنطوان فرح، والذي يوضح ل”ليبانون ديبايت”، أن هذه المشاكل لم تخرج دائما إلى العلن بين السلطة السياسية والمصارف، مؤكداً أن السلطة السياسية كانت دائماً تحاول التنكّر لمسؤوليتها وكانت لديها مصلحة في أن ترمي المسؤولية على المصارف حتى تخفّف عنها هذه المسؤولية وهذه التهمة.
وبحسب المحلل فرح، فإن المواجهة الأساسية الأولى بين السلطة السياسية والمصارف، قد بدأت عندما أعلنت حكومة الرئيس حسان دياب ما سُمّي بخطة التعافي التي قيل أن شركة “لازار” أعدتها، وكانت بمثابة المؤامرة على القطاع المصرفي، حتى أن المصارف اعتبرت منذ ذلك الوقت أن هناك نيةً لتصفيتها من أجل إيجاد مصارف جديدة، حيث أن بعض القوى السياسية اعتبرت في حينه أنها قادرة أن تستلم هذا القطاع وتؤسّس مصارف جديدة وتقضي على النظام المصرفي القائم.
ومن أبرز المشاكل التي واجهتها المصارف، يضيف فرح، هو تأخير إقرار قانون الكابيتال كونترول، الذي ينظّم العلاقة بين المصارف والمودعين، لأنه في غياب الكابيتال كونترول، بقيت العلاقة علاقة مواجهة بين المودع والمصرف فيما السلطة السياسية تتفرّج، مع العلم أن المصارف تعتبر أن السلطة السياسية هي جزء أساسي من المشكلة بل المسبّب الرئيسي للأزمة المالية، وليس من المفروض أن تتفرّج، بل عليها أن تنظم التشريعات لحماية المودع والقطاع المصرفي والإقتصاد والقضاء، لأن القضاء أيضاً في غياب التشريعات الواضحة، يصبح في حالة إرباك، إذ من الممكن أن تصدر قرارات قضائية متضاربة.
وبالتالي، فإن الأزمة المالية تفاقمت مع الوقت، والإضراب والإشكالات في المصارف، ليست سوى بداية الانفجار، كما يكشف فرح، الذي يشدد على أن المواجهة اليوم ستكون بين المصارف والسلطة السياسية من أجل تنظيم العلاقة كي يكون الكلّ محمياً وتحت القانون، فالبلد يواجه أزمة إفلاس وسيتفرع عنها العديد من المشاكل القضائية وغير القضائية، وعلى السلطة أن تحدد مسؤولياتها تجاه المودع، لأنه في خطة التعافي الحالية والتي سبقتها، هناك عملية شطب للودائع ، وإيحاء بأن اصحاب المصارف والمساهمين فيها، سيتحملون كلفة الخسائر المالية، ولكنها لم تذكر أن المودعين سيدفعون أيضاً الثمن لأنهم أصحاب المال الحقيقي والذي قد يُشطب، وهذه هي المشكلة الحقيقية.
وبالتالي يؤكد فرح أنه على الدولة أن تمتلك حسّ المسؤولية للمشاركة في حلّ هذه الأزمة، لأنها المسؤولة عنها، وبالنتيجة الدولة واللبنانيين مضروبين بكارثة كبيرة، ولن يخرج أي طرف منها دون خدوش ووجع، ولكن يجب تقسيم الأوجاع بعدالة على الجميع، إذ من غير الممكن ان يتحمّلها طرف بمفرده.
ليبانون ديبايت