يبدو أن حملة مداهمات جهاز أمن الدولة أصحاب المولّدات الخاصة في عدد من المناطق اللبنانية، شكّلت رادعًا لهم بعد تسطير غرامات في حقهم وصلت إلى مئتي مليون ليرة، بسبب مخالفتهم التسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة. وهي بلغت 13545 ليرة عن كل كيلوواط ساعة. وتبين بعد التدقيق والتمحيص أن عددًا كبيرًا من أصحاب “اشتراكات الكهرباء” التزم مرغمًا هذه المرّة بتسعيرة الدولة، بعدما داوم لفترة طويلة على رفعها إلى 20000 ليرة عن كل كيلوواط ساعة في مناطق عدة.
صرخة المغرّمين
يرفع علي.ن، وهو أحد مشغّلي المولّدات في بيروت، صوته عاليًا خلال حديثه عن غرامة المئتي مليون التي تكبّدها بسبب مخالفته التسعيرة الرسمية. ويعزو في حديثه إلى “المدن” رفع تسعيرته إلى 18 ألف ليرة عن كل كيلوواط ساعة، إلى الأكلاف التشغيلية التي تثقل كاهل أصحاب المولدات، معتبرًا أن التعرفات الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه، مجحفة وغير مدروسة ولا تمت للإنصاف بصلة. ففي الدرجة الأولى يجب تحديد التسعيرة عن كل شهر مقبل، لا عن شهر سابق كما يحصل. لأن سعر صرف الدولار يتبدّل بين يوم وأسبوع وشهر. وعند إصدار التسعيرة لتقاضي التعرفة من الزبائن يتكبد أصحاب المولدات مصاريف تشغيلية تفوقها بكثير، وبالتالي لا يقدرون على الالتزام بالتسعيرة الرسمية.
ويضيف علي: “حسب دراسات أصحاب المولّدات، يجب أن لا تقل التسعيرة عن 16000 ليرة لكل كيلوواط ساعة، بدلًا من 13545 ليرة. وهي تبدأ بـ300 ألف ليرة في التعرفة الثابتة عن اشتراك 5 أمبير بدلًا من 100 ألف ليرة، سيّما أنه مع فرض تركيب العدّادات تفاقمت الخسائر علينا، نظرًا إلى أن الزبائن يعتمدون سياسة التقنين في منازلهم، ويركبّون أنظمة كهربائية تحدّ من استهلاكهم، من إنارة وأجهزة وبرادات وسواها. وعند نهاية كل شهر تظهر العدّادات أن الاستهلاك العام للأحياء قليل جدًّا، في حين أن المولّدات تعمل بقدرتها الطبيعية المكلفة مهما بلغ الاستهلاك. وهذه إحدى مكامن الخسارة”.
ويشير صاحب مولّدات خمسة في منطقة بئر حسن تحديدًا، إلى أن الدولة تصدر جدول أسعار للمحروقات بالليرة اللبنانية. لكن شركات توزيع المازوت يتلاعبون بالتسعيرة كما يشاؤون، من دون الإضاءة على مخالفاتهم. ويؤكد أن هناك فروقات شاسعة في سعر المازوت بين شركة موزّعة وأخرى، حيث يبدأ سعر الطن الواحد من 1060 دولارًا في بعض الشركات، ليصل إلى 1090 دولارًا في شركات أخرى. وتساءل: “هل فكّرت الدولة في مراقبة تلك الشركات التي ساهمت بتدهور قطاع المولّدات ووصولنا إلى هذا الدرك؟ أم هي غير قادرة لأن معظمها نافذ في الدولة ويستحوذ على دعم كبار السياسيين في البلد؟”.
انهيار في أيلول
لم يستسغ بعض أصحاب المولدات حملة المداهمات والغرامات وتضييق الدولة الخناق عليهم. فقام بعضهم بإطفاء مولّداته وتجميد عملها أو بيعها، فيما أبلغ شطر آخر مشتركيه بأنه سيقطع الاشتراكات عنهم قريبًا، على اعتبار أن “الخسائر أصبحت فادحة” في القطاع، حسبما أفاد أحد القيّمين السابقين على قطاع المولدات، رافضًا ذكر اسمه بسبب قراره الابتعاد عن الجدل الإعلامي في هذا الشأن.
وأشار المصدر عينه إلى أنه “إذا بقي الوضع على ما هو عليه، ولم يُعالج قطاع الكهرباء بشقّيه، في مؤسسة كهرباء لبنان والمولدات الخاصة، فإن القطاع ذاهب إلى الانهيار في نهاية أيلول كحد أقصى”. وطالب المصدر الحكومة ووزارة الطاقة بتشكيل خلية أزمة لإدارة مشاكل القطاع في المرحلة المقبلة، وبوضع أسس علميّة لتحديد الأرقام والتسعيرات المنصفة لكل الأطراف.
أصحاب المولّدات يتحدّون الدولة
وليد.ع، وهو أحد أصحاب المولّدات المغرّمين بمبلغ مئتي مليون ليرة لمخالفته التسعيرة الرسمية، اتخذ قراره بإطفاء مولّداته السبعة، فعرضها للبيع بحسبه، مشدّدًا على ضرورة الاهتمام بقطاع المولّدات وعدم شيطنته من دون وجه حق. وطالب وزارة الطاقة بإحضار شركة متخصّصة في المحاسبة، وتشكيل لجنة مؤلفة من ممثلين عن أصحاب المولّدات وعن الدولة، لتقوم بوضع خريطة حسابية تُعرض للرأي العام، وتظهر دراسة مفصّلة عن واقع القطاع وتحدّد الأكلاف التشغيلية. وبعدها يُحدد هامش الأرباح، استنادًا إلى الظروف المتغيّرة، وتقلّبات سعر صرف الدولار وواقع أسعار المازوت في السوق، وصولًا إلى آلية الاستهلاك التي يعتمدها الزبائن. وهذه اللجنة العلنية كفيلة بإحقاق الحق، وأصحاب المولدات مستعدين للالتزام بقراراتها.
ويلفت وليد إلى أنه أطفأ مولداته بالتنسيق مع عدد من أصحاب المولدات في بعض المناطق، التي أصبح سكانها في ظلمة حالكة بلا كهرباء الدولة ولا الاشتراك. وأوضح: “نحن لم نفعل ذلك استبدادًا منّا بحق الناس، إنما بعد غرامة مئات الملايين التي تكبّدناها نتيجة تواطؤ السكّان ضدنا، علمًا أن لا سبيل لديهم للنور سوانا”. وشدد على أن إطفاء بعض المولدات حاليًّا هو غيض من فيض، كاشفًا عن اجتماع يُحضّر بين عدد كبير من مشغّلي المولدات على الأراضي اللبنانية، لاتخاذ قرار جامع بوقف التشغيل وإحداث “عتمة شاملة” إن لم “نلمس تبدّلًا في واقعنا”. واستطرد بنبرة تحدٍّ: “فلتتسلم الدولة مولداتنا وتشغلها شهرًا واحدًا بالتسعيرة عينها التي حدّدتها، على أن تمنحنا أرباحنا التي تجنيها، إذا ما تمكّنت من تحقيق أرباح”.
وزارة الطاقة تعتزم التحديث
من جهتها، تعتبر وزارة الطاقة والمياه أن التعرفة التي أصدرتها عن آخر شهر، وهي 13545 ليرة عن كل كيلواط ساعة، مبنية على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت (20 ليتراً) في شهر تموز، البالغ 692733 ليرة. وذلك بعد احتساب كافة مصاريف وفوائد وأكلاف المولدات، إضافة إلى هامش ربح جيد لأصحابها. وقد أخذت الوزارة بالاعتبار كلفة توزيع الصفيحة من محطة الوقود إلى المولد، وبالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة.
وتشير الوزارة الى أنها تحتسب مكونات أساسية، ككلفة الزيوت والفلاتر وتهالك المولد بالمعدل الوسطي الشهري لسعر الدولار في السوق الموازي، الذي بلغ 29473 ليرة. وأوضحت أن هذه التسعيرة صدرت بناءً على الجدول الحسابي المعتمد من قبل وزارة الطاقة منذ تاريخ 14/10/2010، وتطبيقًا لقرار مجلس الوزراء رقم 2 الصادر بتاريخ 14/12/2011 في شأن التدابير اللازمة لضبط تسعيرة المولدات الخاصة. واستنادًا إلى آلية التطبيق المشتركة بين الوزارات (الطاقة، الداخلية، والاقتصاد) المعلنة بتاريخ 20/12/2011 والتي حَدّدت مسؤولية وزارة الطاقة والمياه في تعميم تسعيرة المولدات الخاصة استنادًا إلى أسعار المازوت في نهاية كل شهر.
وتدعو وزارة الطاقة والمياه أصحاب المولّدات إلى الالتزام بقرار وزارة الاقتصاد والتجارة القاضي بالزامية تركيب العدادات. وتشير إلى أنها ستجري دراسة موثقة في الفترة المقبلة، وصولًا الى تحديث المعادلة المعتمدة لتتناسب أكثر فأكثر مع تقلبات أسعار الصرف والوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، مع الأخذ بالاعتبار متطلبات أصحاب المولدات الخاصة.