تعود لُعبة الكبَاش بين القضاء والمصارف، على خلفية الممارسات القضائية بحق المصارف، مما دفع الأخيرة إلى إعلان الإضراب، وذلك على خلفية توقيف رئيس مجلس إدارة بنك الإعتماد المصرفي طارق خليفة منذ أيّام في مطار بيروت إثر بلاغ بحثٍ وتحرٍّ أصدرته المحامية العامة الاستئنافية القاضية نازك الخطيب، بعد دعوى مقامة ضدّ المصرف عبر إحدى العُملاء الّتي تحمل أسهُم تفضيليّة في المصرف.
إلا أنَّ تفاصيل ما حصل قبل التوقيف يشي بأنّ القضاء عاد لينشط بملفّات ظَاهرها قانوني، وباطنها “سياسي”، ولكن حتى ظاهرها القانوني اليوم بات يدل على خفة وجهل القضاء بالتعاطي مع المسائل المالية الشائكة.
وللولوج في أساس قضية توقيف خليفة، عَلم “ليبانون ديبايت” أن إتصال ورد في 14 حزيران 2022 للوكيل القانوني لمصرف الإعتماد المصرفي، من فصيلة الدكوانة، يبلغه بوجود شكوى جزائية بحق المصرف، وبضرورة الحضور أمام مكتب الجرائم المالية في الـ 20 من الشهر عينه.
وبعد يوم من الاتصال، حضر الوكيل إلى مكتب الجرائم المالية للاستفسار عن الشكوى، ليتم إبلاغه بأن الشكوى ليست مسجّلة على أجهزتهم، ليستكمل جولته إلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة في بيروت والنيابة العامة في جبل لبنان، إلّا أنه خرج خالي الوفاض أيضًا.
وفي موعد الجلسة، حضر الوكيل مجددًا الى مكتب الجرائم المالية ليتفاجأ بأنه ليس هناك من جلسة، وتبيّن لاحقًا بأن المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب اعتبرت أنه تعذّر إبلاغ خليفة فأصدرت بحقه بلاغ بحث وتحري في 6 تموز الماضي، علمًا أن الدعوى أصلاً بحق المصرف وليس بحق شخص خليفة.
وهنا يظهر الخرق الفاضح لقانون أصوال المحاكمات الجزائية من قبل القضاء عن سابق تصور وتصميم الذي أصدر بلاغ بحثٍ وتحرٍ مخالف للقانون، فالمشكو منه لم يتهرب من موعد الجلسة، لا بل أن محاميه قام بالحضور في موعد الجلسة.
وأيضًا، الجهة المدّعية لم تطلب الإدعاء على خليفة، إلا أن النيابة العامة في جبل لبنان إدّعت عليه شخصياً، عبر القاضية الخطيب، بجرم تزوير البيانات المالية للمصرف، وجرم التهرّب الضريبي الذي يدخل ضمن قضايا تبييض الأموال، وحوّلت الملف إلى قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور، من دون الاستعانة بأي مشورة قانونية أو الاستماع الى الموكل.
والأدهى، أن قاضي التحقيق وافق على إخلاء سبيل خليفة لقاء كفالة مالية، لم تعترض عليها جهة الادعاء بل النيابة العامة.
في هذا الإطار، أشار خبير قانوني لـ “ليبانون ديبايت”، أن خطأ القاضية الخطيب يكمن في استخدامها لمبدأ الرأي المعاكس (Adverse opinion)، للإدعاء على خليفة، مما يبيّن قلة الخبرة بالتعاطي القضائي مع هذه المسائل”.
وشَرح قائلًا أنه نظراً إلى الإختلاف بين سعر الصرف الرسمي وسعر الدولار في السوق السوداء، لَجأ مفوّضو المراقبة إلى مخرج قانوني في محاولة للتوفيق بين تعاميم مصرف لبنان التي تلزم اعتبار سعر الدولار 1500 ل.ل.، والمعايير الدولية للمحاسبة (IFRS) التي تلزم اعتبار سعر السوق السوداء كسعر حقيقي للصرف”، موضحًا بأن “استخدام سعر السوق السوداء يُضاعف بمئات المرات خسائر المصارف، وهذا لا يعتبر تلاعبًا”.
والجدير ذكره أن مفوضي المحاسبة إلتزموا بإبداء رأي معاكس على جميع ميزانيات المصارف من خلال تدوين الجملة التالية: “إن البيانات المالية لا تعكس بشكل عادل الوضعية المالية للمصرف نتيجة تفاوت أسعار الصرف على اعتبار أن الخسائر المحققة محتسبة على سعر الصرف الرسمي في حين يجب احتسابها على سعر صرف السوق السوداء، إضافة الى أن المصارف لم تكوّن احتياطات ومؤونات لتغطية قيمة التزاماتها لدى الدولة والمصرف المركزي، كما تقتضي المتطلبات العالمية للمراقبة المالية”.
وهنا يتبيّن بأن كل الحركة القضائية تشي بأن القضاء المسيّس يهدف الى جعل من “الاعتماد المصرفي” عبرة لجميع مجالس ادارة المصارف، بأن مصيركم سيكون مشابهًا، وذلك خدمة لمشغّلي بعض القضاة سياسيًا وليس قانونيًا. ومن هذا المنطلق أتى رد المصارف بإعلان الإضراب.