معبّرة جدّاً الكلمة التي ألقاها قائد الجيش العماد جوزاف عون أمام رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في قصر بعبدا أمس. قالها أمام الرئيس، ولكنّها تضمّنت أكثر من رسالة في أكثر من اتّجاه، من بعبدا الى مسافاتٍ أبعد بكثير.
كمن انفجر بعد كبتٍ وصمت، قال قائد الجيش ما قاله، ولو أنّ “الانفجار الكلامي” أتى هادئاً، رصيناً، يشبه قائله وسلوكه وموقعه.
هناك من صوّب، طيلة الفترة الماضية، على الجيش في أكثر من موقعٍ ومناسبة ليس لتقصير في أداء مؤسّسة يعمل ضبّاطها ورتباؤها وعسكريّوها باللحم الحيّ، بل لأنّ اسم قائد الجيش يُتداول كمرشّحٍ طبيعي لرئاسة الجمهوريّة.
لم يعلن “القائد” يوماً أنّه مرشّح، ولا لهث في سلوكه، ولا قفز من عاصمةٍ الى أخرى، ولا استرضى السياسيّين، بل خاصم من يتدخّل في شؤون المؤسّسة بينهم. حين سألته يوماً عن علاقته بأحد الزعماء، أجاب بشكلٍ غير مباشر: من يتدخّل من السياسيّين في شؤون الجيش هو خصمي، ومن يبتعد عنها هو صديقي.
بهذا الميزان تعامل العماد عون مع الطبقة السياسيّة، فلا تنازل أمامها سعياً وراء أصوات، ولا تعالى عليها بحثاً عن دور. لكم حدودكم ولي حدودي. عمل بهذه الصيغة، ونجح، وهو، شاء أو لم يشأ، سيكون أحد الأسماء المطروحة للانتقال من اليرزة الى بعبدا، وكلّما أمعنّا في الفراغ ارتفعت الحظوظ واقتربت المسافة السياسيّة بين المنطقتين المتجاورتين جغرافيّاً.
هو ختم كلمته بالأمس بعبارة: “ما يهمّنا، وما يعنينا، هو تحصين المؤسسة العسكرية، وإبعادها عن كلّ التجاذبات، وإبقائها متماسكة وقادرة على حماية لبنان وصون استقراره”. كأنّه يقول لا تعنينا الرئاسة ولا تهمّنا، بل يهمّنا الوطن.
والأهمّ أنّه أوصل رسالة، الى من يهمّه الأمر، بأنّ ما أنجزه الجيش أكبر من استهدافات بعض السياسيّين الطامحين. “من يمسّ بالجيش، هو الخاسر وهو المُدان… ومن يتعرّض للجيش، ينبذه التاريخ”. عبارةٌ واضحة، تصلح خصوصاً في الزمن الرئاسي الذي بتنا على أبوابه، وقد يشهد مزيداً من المسّ بالجيش والتعرّض له.
في مطلع آب، وقف العماد جوزاف عون في قصر بعبدا قائداً للجيش. قال ما قاله، وأوصل الرسائل لمن يقرأ بين السطور. بعد شهر، مع افتتاح “المهلة الرئاسيّة”، سيكون اسمه على طاولة الباحثين عن رئيس. وإذا ما وقع الفراغ بعد ثلاثة أشهر، ستصبح أعين الداخل والخارج عليه أكثر. تنبّهوا الى ما قاله في الأمس: “نعاهد أبناء وطننا، أننا على قسمنا باقون”.
داني حداد – mtv