السلطة تواطأت لهدم الأهراءات. اتّخذت قراراً قوبل برفض كبير، فاعتمدت الإهمال طريقاً الى سقوط الصوامع تلقائياً، خصوصاً أنها لم تنفذ اتفاقاً نشرت تفاصيله قبل سنة تماماً لمعالجة القمح قبل تخمّره، من شركة فرنسية خصّص لها مبلغ 1,3 مليون يورو، على أن تنجز عملها في 4 أشهر بدءاً من توقيع الاتفاق في تمّوز 2021.
لكن المدّة الفاصلة على الاتفاق، وقبل بدء سقوط الصوامع، لم تكن كافية كما يبدو، بدليل أن أحداً من المسؤولين لم يأت على ذكر الاتفاق أو التنويه به.
قد يكون إبقاء الأهراءات مفيداً للذاكرة الجماعية، كما “بيت بيروت” عند تقاطع السوديكو – بشارة الخوري، الذي تُرك للتذكير بالحرب ولعدم تكرارها، لكن مع الوقت تبيّن أنّه غير مفيد، لأنّ اللبنانيين الذين لم يتعلموا من تجاربهم المريرة، لن يمنع عنهم الحرب مجدّداً، أو التقاتل، بيتٌ أبقي من دون ترميم، حتى أصبح مشهداً أقل من عادي، لا يهتمّ له كثيرون.
هكذا هي الأهراءات. ربما يكون إبقاؤها مفيداً لعدم النسيان معلماً شاهداً على جريمة العصر، لكن سقوطها يجب ألّا يشكل عائقاً أمام الإصرار على العدالة، وعلى المحاسبة، وعلى التذكير. والربط بين الاثنين خطأ، ربّما مقصود، للاستغلال السياسي.
ما يجري حالياً من تبادل للتهم، وإثارة عبر وسائل التواصل خصوصاً، ما هو إلّا مضيعة للوقت، فيما تحصل أمور قد تحدّد مستقبل البلد بما فيه ومن فيه. فالتفاوض على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية، ورعاية أممية، يبقى الحدث الأهم. وإن كان الربط بين الأمرين أيضاً خطأً، فإن توجيه أنظار اللبنانيين الى المرفأ، وعدم الاكتراث لما يجري في ملفّ الترسيم، إنّما هو فصل جديد لإمرار مؤامرات وصفقات على حساب مصلحة الوطن، كما يجري دائماً.
يقول الكتاب المقدّس “مرتا مرتا، أنت تهتمّين بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد”. إن إضاعة التركيز وعدم تحديد الأولويات، يدخلان البلد في متاهات جديدة، مصيرية أكثر من أيّ وقت مضى. فلبنان بحاجة ماسّة الى ثرواته الطبيعية، الى الغاز والنفط، وفيما المسؤولون يتلهّون بالحكومة والتعيينات والمكاسب، تبدأ إسرائيل باستخراج الغاز وبيعه، وتواصل مفاوضاتها مع لبنان، حول مساحات وحقول شبه وهمية، كحقل قانا مثلاً، الذي يكثر الحديث عنه من دون دراسات جدّية حول الثروات التي يمكن استخراجها منه. إسرائيل تبدأ الاستخراج، ولبنان يبدأ المسح والتنقيب. لا دراسة علمية توثق ما يمكن استخراجه من حقل قانا. أمام هذا الواقع، ستعتمد إسرائيل عامل الوقت لتأخيرنا، ولإنجاز اتفاق مضمون من قبلها، ومجهول النتائج من قبل لبنان.
الى كلّ ذلك، لم يتفق المسؤولون اللبنانيون على خطاب موحّد تجاه الخطوط، 23، 29، هوف، أو متعرّج… وهذا اللاموقف يؤكّد غياب القرار وضعف السلطة المقرّرة، ويسمح للعدوّ بأن ينفذ الى عمق الخلاف، ويلعب على التناقضات اللبنانية لجعل لبنان يخسر آخر أوراقه الحياتية والإنقاذية.
وفق تسريبات، إن الاتفاق منجز منذ العام الماضي، وينقصه الإخراج ليس أكثر، اللهمّ إلا إذا حصلت تطوّرات كبيرة ضدّ إيران القادرة وحدها على التعطيل بواسطة “حزب الله” الذي يعمل حالياً على الحثّ للاتفاق سريعاً بعدما أدرك عدم قدرة أيّ فريق على الحلول محلّ الدولة، وأدرك سيّده قيمة الثروة الغازية، وأثرها على إعادة النهوض ببلد لم يعرف انهياراً مثيلاً كما الذي يحصل في زمن “الشيعية السياسية” وحلفائها الكبار.
غسان الحجار – النهار