لا حكومة في لبنان، ولا رئيس. هذا ما سوف يكون بعد انقضاء عهدة الرئيس ميشال عون في أكتوبر المقبل. أما حكومة “تصريف الأعمال” فبرغم الشكوك بجدارتها لتولي مهام الرئيس الدستورية، إلا أنها ستكون حكومة “الأمر الواقع” في نهاية المطاف.
الحكومة التي عرضها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على الرئيس عون بعد “المشاورات غير الملزمة” التي أعقبت الانتخابات النيابية في ابريل الماضي، رفضها عون وصهره جبران باسيل لأن تشكيلتها لم تتضمن ما يطالبان به من حصة وأسماء. ودخلت المحادثات بين الطرفين “في الثلاجة” لأنهما لم يجدا سبيلا للعثور على تسوية ولأنهما لم يعثرا على لغة مشتركة، فآثرا الصمت المتبادل. كلٌ في قصره ينتظر اتصالاً من الآخر.
والوقت يضيق، بل أنه يُطبق على خناق البلد، كما يتضح من أزمة الخبز وإغلاق بعض المطاحن، ما جعل كل يوم يمر من دون الحصول على حزمة الإنقاذ الموعودة من صندوق النقد الدولي يوما إضافيا في جهنم التي وعد بها الرئيس عون شعبه منذ العام 2020
الرئيس ميقاتي ليس عجلة من أمره. وخاتمةُ أن ينتهي عهد عون بفراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال، قد تبدو مناسبة له لاسيما وأن حكومته هي التي سوف تتولى مهام الرئيس في حال لم يتم التوافق على رئيس جديد.
لم يحدث من قبل أن تولت حكومة “تصريف أعمال” مهام الرئيس.
ويقول تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي إن لبنان دخل دوامة الفشل بعد أزمة المالية العامة التي اندلعت في العام 2019 ولم يخرج منها حتى الآن.
وفي مارس 2020 توقف البلد عن سداد مستحقات ديونه السيادية، لأن المصرف المركزي لم يجد في احتياطاته ما يكفي لتسديد تلك المستحقات، كما لم يجد مالا لتسديد تكاليف الكهرباء والدعم ومصاريف الحكومة. وكان ذلك بمثابة أول إعلان بأن لبنان في طريقه ليصبح “دولة فاشلة”. وزاد الفشل بانفجار مرفأ بيروت في أغسطس ذلك العام. ولم تقدم حكومة حسان دياب ما يفيد أنها أكثر من حكومة تصريف أعمال في خضم الأزمة، حتى من قبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال بالفعل بعد استقالتها عقب الانفجار.
وكانت الانتخابات النيابية استمرارا إضافيا للفشل لأنها لم تسفر عن تغيير فعلي في موازين القوى.
وقاد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي معظم الجهود للتفاوض مع صندوق النقد لتوفير حزمة إنقاذ طارئة لا تتجاوز قيمتها ثلاثة مليارات دولار، من أصل احتياجات تبلغ 15 مليار دولار. إلا أن هذه الحزمة ظلت مشروطة بإقرار قوانين إصلاحات هيكلية تشمل تعديلات على قانون السرية المصرفية ومكافحة الفساد المالي، وإعادة تنظيم القطاع المصرفي وتحديد حجم خسائر القطاع، وكيفية توزيع هذه الخسائر، وإصلاح قطاع الكهرباء، وخفض حجم القطاع العام، لاسيما وأنه قطاع محاصصات طائفية يشبه إلى حد بعيد تعيينات إضافية لترضية الطوائف الأخرى كلما احتاج مركز ما إلى تعيين شخص واحد.
ومع مضي الوقت فإن احتياطات المصرف المركزي تنضب. وهو ما أقنع معهد التمويل الدولي بأن لبنان معرض للتفكك لأن عدم تشكيل الحكومة يعني عدم تنفيذ الإصلاحات، وبالتالي عدم مجيء حزمة صندوق النقد.
ويقول المعهد إن “عدم قيام الحكومة بتطبيق الإصلاحات المطلوبة سيؤدي إلى إلغاء الاتفاق مع صندوق النقد، وسيتسبب في استنزاف احتياطات مصرف لبنان، وفي ارتفاع نسبة الدين إلى ما يفوق 200 في المئة من الناتج المحلي. وبالتالي سيتم تصنيف لبنان دولة فاشلة كما هي حالة فنزويلا والصومال وسيريلانكا مؤخراً”.