اذا كان الحديث في الملف الحكومي بات جزءا من الماضي في ضوء انعدام المساعي والتسليم باستمرار حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية العهد، فالمُسَلم به ايضا ان معركة رئاسة الجمهورية فُتحت قبل اوانها، تجنبا للفراغ الرئاسي في غياب الحكومة الاصيلة واستجابة لدعوات الخارج الذي لا ينفك يطلق دعوات يومية لاحترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية وآخرها جاء على لسان السفيرة الاميركية دوروثي شيا امس، وتلبية لتمنيات رأس الكنيسة المارونية المعنية اولا بالاستحقاق الرئاسي وقد لاقاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بالاعلان عن عقد اول جلسة لانتخاب رئيس جمهورية مطلع ايلول المقبل.
وفيما افتتح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الموسم الرئاسي بحديثه منذ اسبوعين لـ”المركزية”، وعلى وقع موقف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن تأييد احد المرشحين الطبيعيين، واعلان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل انه ان لم يكن رئيسا فقد يكون صانع رئيس، توجه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى الديمان منذ اسبوع واجتمع مع البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بالتزامن مع اشكالية توقيف المطران موسى الحاج، الا ان محور اللقاء كان رئاسيا بامتياز، وقد قال من الصرح بصراحته المعهودة” لم اطرح نفسي كمرشح لرئاسة الجمهورية بل انا مطروح”، موضحا رداً على سؤال عما إذا كانت تنطبق عليه مواصفات رئيس الجمهورية ان “البطريرك لم يقل لي العكس وأنا منفتح ومعتدل ورجل حوار ولكن لدي موقفي السياسي”.
المعطيات التي حكمت رئاسة الـ2016 تغيرت بالكامل، والظروف التي اوصلت الرئيس ميشال عون الى بعبدا لم تعد قائمة. فهل يكون فرنجية مرشح فريق الممانعة وهو يدرك تماما ان المرحلة تتطلب رئيس تفاهم لا تحد، رئيسا يحتاج بشدة الى غطاء مسيحي غير متوافر سياسيا من اكبر كتلتين مسيحيتين ، “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي”، فيراهن على بركة بطريركية ؟ وماذا عن الثنائي الشيعي والسنّة والدروز الناطق باسمهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكيوليد جنبلاط الذي تحدث عن الحاجة الى الياس سركيس جديد؟وايضا والاهم ماذا عن موقف الخارج من واشنطن الى باريس ومن القاهرة الى طهران ودمشق؟
حسابات يدركها جيدا فرنجية والارجح انه يدرسها باتقان ودقة بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب الذي استقبله امس وبحث معه الملف من جوانبه كافة، خصوصا بالنسبة الى تبني حزب الله ترشيحه من عدمه، في انتظار تبلور المعطيات الاقليمية التي ستؤثر مباشرة على الاستحقاق الرئاسي اللبناني، والشخصية التي قد ترسو عليها خيارات فريق المعارضة ونواب التغيير، ان رست. لكن الزعيم الشمالي يبدو عازما على خوض الاستحقاق، والا لما تحرك فاتحا بابه ، وهنا تسأل مصادر سياسية مطلعة عبر “المركزية” عما اذا كان الرجل يتحرك بعفويته المعهودة وتلقائيا، ام ان ثمة من يوفر له الدعم ويمهد الطريق الى قصر بعبدا. وهل ان بركة بكركي وتأييد الرئيس بري كافيان لايصاله ام ثمة اشارات وضوء اخضر من الخارج خلف حركته هذه؟ وفرضا انه توافر ماذا عن توفير النصاب الذي يفترض حضور 86 نائبا لقرع الجرس البرلماني للجلسة الرئاسية، وعن موقف الكتل النيابية المسيحية التي لا تبدو تؤيده، على الاقل، حتى الساعة، وان ايده “لبنان القوي” بـ”أمر الطاعة”، فهل يعقل ان يحظى بتأييد قواتي يبدو ضربا من الخيال؟
الاسئلة كثيرة والاجابات غير معروفة في شأنها حتى اللحظة، بيد ان الاكيد ان فرنجية يمهد الارضية في الداخل والخارج لتحقيق حلمه بالجلوس الى كرسي بعبدا، خصوصا ان الرهان على توحّد المعارضة غير مشجع، وعلى ان وصول غريمه جبران باسيل شبه مستحيل، وعلى ان التطورات الاقليمية والدولية قد تصب لمصلحته، فهل يكون فرنجية، الياس سركيس الـ2022 الانقاذي؟