كتب مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو:
برز في الآونة الأخيرة الحديث عن إمكانية لجوء مصرف لبنان إلى طباعة ورقة المليون ليرة، وهو ما يحمل في طيّاته بعض الإيجابيات السطحية والشكلية والتي لا تتعدّى كونها، من جهة، عملية تحقّق بعض الوفر في كلفة طباعة ونقل وتخزين الليرات اللبنانية التي تضخّمت كتلتها من حوالي 5,000 مليار ليرة في نهاية العام 2019 إلى حوالي 60,000 مليار ليرة اليوم. ومن جهة أخرى، فإن هذا الإجراء من شأنه أن يخفّف على المواطنين عبء حمل كميات كبيرة من الليرات لشراء بعض الحاجيات.
ولكن في العمق، فإن هذا الأجراء مؤشر خطير على دخول الاقتصاد اللبناني رسمياً في فخّ التضخم المفرط في أسعار السلع والخدمات أو ما يعرف بزيادة الأصفار على العملة، وبالتالي فإن طباعة ورقة المليون قد يلحقها طباعة ورقة العشرة ملايين أو المائة مليون، في حال استمر النزف المالي والنقدي بالتوازي مع إجراءات ترقيعية لمعالجة اختلالات اقتصادية حادّة وعميقة باتت تتطلّب رؤية اقتصادية جديدة مع إجراءات إصلاحية جذرية للحدّ من الانهيار الاقتصادي الحاصل.
في الواقع، إن ما بدأ يحصل في لبنان يذكّرنا فعلياً بالسيناريو الفنزويلي وكيفية تعاطي السلطات الفنزويلية مع الأزمة التي سجلت انهياراً لافتاً في قيمة البوليفار الفنزويلي مقابل الدولار من 10 بوليفار للدولار الواحد في آب 2012 إلى 6 ملايين بوليفار للدولار في آب 2018، قبل أن يطلقوا عملة جديدة، شطبوا معها 5 أصفار من العملة القديمة. ولكن ما لبثت العملة الجديدة أن انهارت بدورها ليقوموا من جديد بشطب 6 أصفار أخرى في أيلول 2021، ما يعني في الإجمال شطب 11 صفر (أي ما يوازي 100 مليار) بين عامي 2018 و2021، مع الإشارة إلى أن فنزويلا كانت قد شطبت 3 أصفار بين عامي 2008 و2012، ما يعني شطب 14 صفر خلال 13 عاماً وما زالت الأزمة الفنزويلية حاضرة وبقوة.
بإختصار، طالما أن الثقة مفقودة وطالما أن المصرف المركزي يواصل طباعة الليرات اللبنانية وتضخيم الكتلة النقدية بالليرة لسداد أجور القطاع العام والمستحقات الأخرى المطلوبة من الدولة اللبنانية في ظلّ هذا التراخي المستهجن من قبل أصحاب القرار لناحية إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية، فنحن متجهون بلا أدنى شك نحو الانهيار الشامل.