في موازاة طَيّ ملف تأليف الحكومة، وانصراف الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي الى تصريف الوقت الضائع، بنشاطات عادية في القصر الجمهوري والسرايا الحكومية حدودها، لم يبق أمام اللبنانيين سوى ان يكيّفوا أنفسهم مع التعطيل القائم، وتقطيع هذه المرحلة بالحد الأعلى من الصبر على معاناتهم، والأمل في ألّا تكون الفترة الفاصلة عن الاستحقاقات المقبلة حُبلى بالمفاجآت، حتى يتمكنوا من تجاوزها بالقدر القليل من الاضرار عليهم.
واذا كانت الصورة القائمة تعكس وضعاً شاذاً، سواء على المستوى الحكومي وتقييد تأليف الحكومة بمعايير وشروط، وإخضاعه لأمزجة سياسية تكيد لبعضها البعض، أو على مستوى تحلّل الدولة الذي تَتمظهَر عوارضه في الترهّل الضارب مختلف قطاعاتها، وفي شلّ اداراتها وعجزها عن تلبية الحد الادنى من الخدمات للمواطنين، فإنّ ما هو قائم اليوم، في ظل عدم وجود كابح له، أو مسؤول يدير الدّفة خارج مسار الانهيار المتسارع، يشكّل الإرث الصعب الذي سترثه مرحلة ما بعد عهد الرئيس ميشال عون. سواء حكمت الظروف السياسية الخلافية بالفراغ في سدة الرئاسة الأولى وإبقاء البلد خاضعاً لتصريف أعمال مقيّد بعجز على احتواء الازمة وتفاعلاتها، ومُشرعاً بالتالي أمام شتى الاحتمالات السلبية. أو تسلّم الأمانة رئيس جديد للجمهورية ذلك انّ انطلاقة ولايته ستتركز على قاعدة رخوة تُفرمل العهد الجديد وتربكه قبل انطلاقه.
وتبعاً لهذه الصورة، تتوالى القراءات المتشائمة للمشهد اللبناني، وآخرها ما ورد في تقرير أعدّه خبراء اقتصاديون، وتلقّاه أحد كبار المسؤولين، حصلت «الجمهوريّة» على خلاصة له، وفيها:
- أولاً، أزمة لبنان: تدرّجت في مخاطرها وآثارها الاجتماعية، من كونها أكثر أزماته التي شهدها في تاريخه خطورة، لأن تصبح أزمة كيانية تهدّد بقاءه.
- ثانياً، إن ما يزيد عن 90 % من الشعب اللبناني، بحسب الاحصاءات الحديثة لمؤسسات دولية وأممية، باتوا فعلياً تحت خط الفقر.
- ثالثاً، إنّ مالية لبنان، وخصوصاً ما يتصل بالاحتياط في مصرف لبنان، وصل فعلاً إلى حد الافلاس. ولن يكون في استطاعة مصرف لبنان في هذه الحالة أن يُلبّي الحاجة لتوفير وتأمين حتى أبسط الاساسيات.
- رابعاً، إن المؤشرات تُظهر واقعاً مظلماً للبنان، حيث تؤكد هذه المؤشرات، بناء على تطورات الداخل ومعطيات الخارج، أن لبنان ذاهب إلى الأسوأ، والاشهر القليلة المقبلة حاسمة في تحديد مسار الامور.
- خامساً، إنّ أزمة لبنان المالية والاقتصادية والاجتماعية، تفرّعت عنها أزمة هي الأخطر على وجوده، وتتمثّل في الهجرة المتفاقمة، وفي مقدمها هجرة الشباب والكفاءات وأصحاب الاختصاصات العالية في شتى المجالات، حيث ان لبنان في هذا الوضع مرشّح لأن يكون مواجهة إفلاس فاضِح في شبابه وكفاءاته وطاقاته، مع ما لذلك من آثار اجتماعية كارثية.
- سادساً، إنّ النظام الحاكم القائم بات أعجَز من قدرته على تقديم حلول، مع عقلية استئثارية في السلطة، تجاوزت الدستور ومؤسساته.
ويخلص التقرير إلى اعتبار «انّ كسر القالب والخروج من أسر هذا النظام وعقليته، أصبح ضرورة وجودية واقعية لمستقبل لبنان. اذ يستحيل بناء دولة في ضوء الواقع القائم وانهياراته التي بدأت تُسقط ما تبقّى من مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى».