في مرآة تكاثر المواقف الداخلية والخارجية من ترسيم الحدود، يبدو لبنان أمام خيارين: إما أن يسارع إلى إنجاز ترسيمها، أو تتسارعمسيرته نحو العزلة والانهيار الشاملين. في مواقفهم المعلنة، يريد المسؤولون اللبنانيون جميعًا إنجاز الترسيم. حزب الله يتهم إسرائيلوالولايات المتحدة الأميركية بالمماطلة وكسب الوقت، ويقول إنه لن يسمح لهما بذلك. في المقابل، لا تزال المواقف الأميركية إيجابية، وتشير إلىاقتراب التوصل إلى اتفاق. وهذا ما جاء على لسان السفيرة الأميركية في بيروت، وما تبلغه مسؤولون تواصلوا في الفترة الأخيرة مع المبعوثالأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين.
المواقف الإيجابية المعلنة
في المواقف المعلنة، تتقدّم الإيجابية على السلبية. وثمة رهانات كثيرة على احتمال اقتراب الوصول إلى إنجاز اتفاق الترسيم. وهناك تقديراتلبنانية تشير إلى أن تهديدات حزب الله بحرب وقلب الطاولة، في مقابل التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة إلى الحزب إياه وتدمير لبنان،تندرج كلها في سياق منع الحرب من الوقوع، واستمرار البحث عن صيغة تسوية، على إيقاع تجدد مسار التفاوض الإقليمي والدولي،وانتظار تفعيل المفاوضات الأميركية- الإيرانية، والإيرانية- السعودية، التي لا بد لها أن تنعكس على الواقع اللبناني.
انتظار المفاوضات النووية
لبنان أمام أسابيع حاسمة. فحزب الله أعطى مهلة حتى شهر أيلول للوصول إلى اتفاق. والرهانات في الداخل تشير إلى أنه خلال الأسابيعالست المقبلة، قد يحصل تطور في الترسيم. ويبقى الرهان الأكبر على الوصول إلى تفاهم إيراني- أميركي على إحياء المفاوضات النووية،وتحقيق تقدم فيها.
أما الرهان اللبناني الأصغر، فيشير إلى احتمال الوصول إلى اتفاق على الترسيم، قبل الوصول إلى حائط مسدود في التفاوض النووي. ففي حال سُدت آفاق تلك المفاوضات، يصير التصعيد حتميًا في المنطقة، وقد يكون لبنان ساحة هذا التصعيد.
ترسيم أو انقسام اجتماعي
نظرًا إلى هذه المواقف والتطورات، أصبح ترسيم الحدود المدخل الأساسي للتعامل الدولي مع لبنان، على قاعدة البحث عن صيغة تسوويةبتوازنات إقليمية ودولية.
أما المعادلة الأخرى النقيضة، فتقول إن عدم الترسيم يُبقي لبنان متروكًا لمصيره: المزيد من الانهيارات والأزمات، اقتصادية واجتماعية وماليةومعيشية. ما يؤدي إلى انفلات الأمن الاجتماعي، القابل لأن يتطور إلى انقسام السياسي أوسع ، يهدد الوحدة الاجتماعية اللبنانية.
أشهر الحسم الثلاثة
لبنان أمام ثلاثة أشهر حاسمة. تتركز الأنظار في شهر ونصف الشهر منها على الترسيم، وسط مخاوف من تطورات تؤدي إلى إشعالالجبهات، في حال عدم الوصول إلى اتفاق، وفقدان آليات استمرار التفاوض. أما الشهر ونصف الشهر التاليان، فيتركزان على البحث عنتسوية سياسية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. مع ما يعنيه ذلك من تصاعد وتيرة الصراع السياسي، بحثًا عن التسوية التي لا يمكنالوصول إليها بلا رعاية دولية.
تتعدد الاحتمالات في هذه الأشهر الثلاثة: إما تتوفر ظروف إقليمية ودولية تنقذ الواقع التفاوضي القائم، وتكون فاتحة مرحلة جديدة منالتسويات السياسية. وإما استمرار التعقيد الذي يؤدي إلى تصعيد. والتصعيد له وجهان: أمني وعسكري على الحدود، أو سياسي فيالداخل اللبناني على مستويات مختلفة، رئاسيًا واقتصاديًا، مع ما يعنيه ذلك من اشتداد الصراع على وقع الانقسام العمودي، في مشاهدقد تعود باللبنانيين إلى مرحلة التمديد لإميل لحود في العام 2004.
ينتظر لبنان جوابًا أميركيًا في الأسبوعين المقبلين حول التفاوض. المعادلة التي يضعها حزب الله مجددًا تتجاوز مسألة الترسيم، وتركز علىضرورة السماح بالتنقيب والحصول على ضمانات.
منير الربيع – المدن