لا تزال الإدارة الأميركية تناور مع لبنان بموضوع الكهرباء. الملف المفتوح منذ إعلان حزب الله استيراد المازوت، أي منذ أكثر من سنة، لم يشهد أي تقدّم لا لجهة استجرار الكهرباء من الأردن، ولا لجهة استيراد الغاز لزوم تشغيل معامل الكهرباء في دير عمار. وهو لا يزال عالقاً على أمرين: التمويل من البنك الدولي الذي قال «الوسيط» الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، عاموس هوكشتاين، إنه سيساعد لبنان في الحصول عليه، والثاني يتعلق بالاستثناء الصريح والمباشر من قانون قيصر الذي يفترض أن تحصل عليه الأطراف المعنية في صفقة الغاز والكهرباء من مصر والأردن. الأمران لم يتحققا بعد، لا بل إن البنك الدولي بدلاً من تسهيل إنجاز العقود، فتح مساراً يتعلق بـ«الجدوى السياسية» من هذه العقود، فارضاً تعديلات على البرنامج المطلوب من لبنان. وآخر نسخة من التعديلات التي يطلبها البنك الدولي تتعلق بإقرار زيادة تعرفة الكهرباء قبل منح لبنان عقد التمويل الذي يعدّ بدوره شرطاً من شروط الإدارة الأميركية لمنح الاستثناء من قانون قيصر.
حتى الآن، لا أحد يعلم في لبنان ما إذا كانت الشروط من الجانب الأميركي ومن البنك الدولي جديّة، أي بمعنى أن تحقيق ما يطلبونه هو مدخل فعلي للحصول على التمويل وإنجاز العقود ومنح الاستثناءات، أم أن الأمر مجرّد مماطلة جديدة ضمن هدف خنق لبنان أكثر فأكثر، ولا سيما أن لبنان يستنزف موارده بالعملات الأجنبية كل يوم؟
وبحسب المعلومات، فإن البنك الدولي كان يفترض أن إقرار زيادة تعرفة الكهرباء هو أحد شروط تسديد الدفعة الأولى من قرض تمويل استيراد الغاز من مصر، لكنه في الفترة الأخيرة بات يقول إنه بناء على رأي فريق البنك في واشنطن، جرى التشدّد في هذا الشرط وصارت زيادة التعرفة أمراً أساسياً مسبقاً للبدء بالمفاوضات المتعلقة بتوقيع العقد بين الأطراف المعنية.
وهذه العرقلة تفتح الباب أمام عرقلة محلية أيضاً. فخطّة الكهرباء التي أقرّتها الحكومة تتضمن زيادة التعرفة ربطاً بتحسين التغذية بالتيار الكهربائي، وهذا أمر ترى مؤسسة كهرباء لبنان أنه مرتبط بموافقات سياسية وحكومية. وبالتالي فإن إقرار زيادة التعرفة في مجلس إدارة المؤسسة وحده لم يعد كافياً في ضوء القرارات السابقة التي صدرت عن الحكومة ومجلس النواب بشأن التعرفة وربطها بزيادة التغذية.
إلى ذلك، برزت أيضاً عرقلة مباشرة من الإدارة الأميركية. إذ تلقت وزارة الطاقة مجموعة أسئلة متصلة بعقود استيراد الغاز من مصر. وطلبت الإجابة عن كل الأسئلة التي تتضمن دراسة جدوى سياسية مماثلة لتلك التي أجراها البنك الدولي بشأن العقود.
من الأسئلة الأميركية المطروحة، ما إذا كانت هناك أي أطراف مستفيدة من هذا العقد غير الحكومة السورية، مثل مؤسسات إيرانية أو أشخاص موضوعين على لائحة العقوبات والحظر الأميركية. كما أن الإدارة الأميركية مهتمة بمعرفة أسماء المؤسسات المالية التي تعمل ضمن الصفقة والأطراف المعنية كافة، فضلاً عن عملية الفوترة وتدفق الأموال بعد الحصول على القرض التمويلي. كذلك، كانت هناك أسئلة عن انخراط أي من المؤسسات الأميركية في هذا المجال، وعن العملة المستعملة لتسديد الفواتير، ولائحة شركات التأمين المنخرطة في الصفقة، والمتعاقدين الظاهرين، والمتعاقدين من الباطن… الأسئلة الأميركية كثيرة، لكنها لم تقرن بأيّ فعل بعد.