تسلمت فروع عدد من المصارف في الاسابيع الماضية مذكرات من الادارات العامة تبلغها بخفض أيام العمل الاسبوعية لبعض هذه الفروع خلال فصل الصيف، وتحديدا حتى مطلع أيلول المقبل، فيما قرر بعض إدارات المصارف إقفال عدد من الفروع خلال هذه الفترة لتعود وتفتح بشكل طبيعي مع حلول مطلع أيلول.
لا قرار رسميا عن جمعية المصارف حول إقفال فروع او خفض ايام عملها، ولا حديث عن الموضوع بتاتاً داخل إدارة الجمعية حيث تؤكد مصادرها لـ”النهار” أنه “في حال اتخذت بعض المصارف هذا القرار يكون الامر عبارة عن قرار داخلي خاص بهذه المصارف ولا دخل للجمعية به، ولن يصدر أي قرار رسمي في هذا الخصوص، أقله في المدى المنظور”. العديد من المصارف بدأت خفض أيام العمل في بعض الفروع بحجة تراجع الحركة فيها خلال فصل الصيف، في حين تقول معظم المصارف التي اتخذت هذا القرار انها تعمل بشكل طبيعي في الاسبوع الاول من كل شهر لتؤمّن الرواتب والاجور والعمليات المصرفية المطلوبة، وهذه الخطوة قد تستمر حتى نهاية أيلول بالنسبة لعدد من المصارف. وتؤكد مصادر مصرفية ان هذه الخطوة تساهم في خفض تكاليفها التشغيلية بشكل كبير، خصوصا لناحية التكاليف المرتفعة التي تتحملها بالنسبة لتأمين مادة المازوت والمولدات وبدلات نقل الموظفين، فيما تستمر الصرافات الآلية بتقديم معظم الخدمات النقدية وغير النقدية التي تقدمها الفروع، حتى ان بعض إدارات المصارف التي تواصلت معها “النهار” أكدت ان هذه الخطوة تساهم في خفض التكاليف بنسبة تقارب 30%.
وتستمر بعض المصارف في الاجراءات الهادفة الى التخفيف من القدرات البشرية والموظفين لديها ضمن ما بات يُعرف بعملية إعادة الهيكلة التي تقوم بها بعض هذه المصارف حتى وصل عدد الموظفين الذين خرجوا من القطاع الى أكثر من 5000 موظف منذ نهاية العام 2019 بشكل طوعي ليتراجع عدد العاملين في القطاع الى ما دون الـ 20 الفا مقارنة مع ما يقارب 25 الفا قبل الازمة. فبعدما كان العمل في مصرف بمثابة الحلم كونه وظيفة مرموقة راتبها جيّد ولا يقتصر على أشهر السنة الـ12 بل تضاف إليه رواتب 4 أشهر، فضلاً عن تقديمات اجتماعيّة للموظفين كالمنح الدراسية والتأمين الصحي وغيرها، أصبحت هذه الوظيفة كابوسا لا يحسد عليها كل من يمارسها. كما أقفلت المصارف نحو 180 فرعا لها في كل #لبنانمنذ تشرين الاول 2019 ليتراجع عدد الفروع من 1080 في مطلع الربع الثالث من العام 2019 الى ما يقارب 800 فرع و”الحبل على الجرار”. سياسة إقفال بعض الفروع لا تأتي ضمن خطة شاملة، لأن كل مصرف يتصرف وفق وضعه الخاص بحيث يحاول الحفاظ على رأس ماله التشغيلي ما يضطره إلى إقفال العديد من فروعه من باب خفض المصاريف.
في هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية البروفسور جاسم عجاقة ان “خلف قرار خفض أيام عمل المصارف اسبابا مالية تتعلق بالكلفة التشغيلية للمصارف وفروعها. فكلفة الإضاءة وتشغيل المصاعد والقرطاسية وغيرها من التكاليف التشغيلية تتعاظم في وقت تقلّص العمل المصرفي كثيرا ليقتصر بنسبة كبيرة على سحب ودائع بعدما كان عدد الخدمات المصرفية واسعا جدًا. ولا تُساعد المماطلة في البت بمصير الدين العام وحصة المصارف التي هي من الودائع، من هذا الدين في استمرارية بعض المصارف. لذا يأتي قرار خفض أيام العمل كردّ مباشر على مُشكلة الكلفة التشغيلية. وأيضًا يأتي قرار وقف قبول البطاقات بالدولار المصرفي في مراكز البيع ليخفف نقل الديون (مجّانًا) من مصرف إلى آخر وهو ما قد يؤذي بعض المصارف بشكل ملحوظ. فالمودع الذي يدفع لتاجر بواسطة البطاقة المصرفية 1000 دولار (مثلًا) ينقل دين مصرف المودع من مصرفه إلى مصرف التاجر، وهو ما يعني أن مصرف التاجر أصبح مدينًا للتاجر بـ 1000 دولار. من هذا المُنطلق تم التوجّه إلى خيار وقف قبول البطاقات المصرفية بالدولار في نقاط البيع، مع العلم أن هذا الأمر لا يؤثر على قدرة المودع للوصول إلى حسابه المصرفي لان هناك استمرارية لسحب الدولارات على أساس تعاميم مصرف لبنان”. وهنا يعيد عجاقة التأكيد على “ضرورة ان تسرع الحكومة في أخذ القرارات التي تذهب باتجاه الحفاظ على الودائع بالكامل من دون أي اقتطاع لا إسمي ولا بالقيمة. كما يجب المُحافظة على القطاع المصرفي مع إيجاد حلّ للمصارف التي لا تستوفي شروط الإستمرارية عبر دمجها أو شرائها أو إقفالها بعد نقل الودائع منها إلى مصرف آخر. ولو كان تمّ القيام بالإصلاحات اللازمة سواء في القطاع العام أو في القطاع المصرفي، لكنا رأينا بوضوح وفعالية أكثر مفاعيل مليارات الدولارات التي يُدخلها المُغتربون اللبنانيون خلال موسم الصيف، ولكن بغياب إستعادة الثقة بالإقتصاد اللبناني وخصوصًا بالقطاع المصرفي، لن تؤتي هذه المليارات مفعولها المرجو منها كما ومليارات صندوق النقد الدولي”. ويضيف: “هنا نذكّر بالمقولة الإقتصادية: من دون قطاع مصرفي لا نمو للإقتصاد”.
إعادة هيكلة المصارف
تعود الى الواجهة المذكرة التي أصدرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تموز 2020 ولحظت تشكيل لجنة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، تضم ممثلين عن الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف، ولكن لم يكد يمضي أسبوع على إصدارها حتى أبلغت لجنة الرقابة على المصارف سلامة اعتذارها عن عدم المشاركة في اللجنة، معللة الأمر بالتضارب بين دورها المحدد في القانون، والدور الذي يفترض بلجنة إعادة الهيكلة الاضطلاع به. وبعدها بأيام أصدر سلامة في 27 آب 2020 تعميما حمل الرقم 154 بعنوان:
“إجراءات استثنائية لإعادة تفعيل عمل المصارف العاملة في لبنان” حيث فرض مصرف لبنان على المصارف التجارية إعادة تقييم عادلة لموجوداتها على أن يكون للمصرف حساب خارجي حر من أي التزامات لدى مراسليه في الخارج لا يقل عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية لديه. كما فرض على المصارف رفع رأس مالها بنسبة 20% مع الحق بإتاحة تحويل المودعين لودائعهم إلى أسهم وذلك خلال مهلة تنتهي في 28 شباط 2021. مرت سنة و5 أشهر على تاريخ إستحقاق المتطلبات التي فرضها مصرف لبنان في التعميم 154 وحتى هذه اللحظة لم يخرج تقرير لجنة الرقابة على المصارف الذي سيحدد مَن من المصارف التزم ومن لن يتمكن من الاستمرار. وتشير المعلومات الى ان التأخر في نشر هذا التقرير هو نتيجة إنتظار التشريعات الاساسية التي سيقرها #مجلس النواب وهي قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية، اضافة الى “الكابيتال كونترول”. وفي هذ السياق تعود المصادر لتؤكد ان عملية إعادة هيكلة المصارف يجب ان تندرج في سياق خطة التعافي الشاملة.