بعد ركودٍ سياحيّ استمرّ أكثرَ من سنتَين في لبنان، بفعل تفاقم الأزمات على المستويات كافةً، بما فيها جائحة كورونا التي عرقلت رحلات السّفر عالمياً، والأزمات الاقتصاديّة التي لم تُوفِّر بلداً، وتلك الأمنية التي قضت على كلّ ما تبقّى من أمل في النّهوض من تحت الرّكام… عادت الحياة إلى قلب بيروت وباقي المناطق، وزاد صيف 2022 من الحركة السياحيّة، مُعوّضاً ما خسره لبنان في السنوات الماضية.
ففي حين أنّ المواطنَ اللبنانيّ المُقيم في البلاد، التي تشهدُ أسوأَ أزمة اقتصاديّة ومعيشيّة وأشدّها فتكاً، لم يعُد يستطيع أن يُلبّيَ حاجاتِه الأساسيّةَ بعدما تقلّصت قدرتُه الشرائيّة وتراجعت قيمةُ راتبه الشهريّ إلى أدنى مستوياته، بات لبنان نفسه بمثابة متنفّس بالنسبة للسائح أو المُغترب، بعدما كان، ومنذ العام 2000، يُضرب به المثل للحديث عن الغلاء الفاحش، ولاسيما في الفنادق والمطاعم والملاهي، وهو ما حال دون تدفّق السّيّاح إليه بأعداد مرتفعة، فأثّر سلباً على العجلة الاقتصادية في السنوات الماضية.
واليوم، شكّل دولار الـ29000 الذي يُكبّل اللبنانيّ المقيم، فرصةً سانحة، ربما لن تتكرّر في المدى المنظور، بالنسبة للمغترب كي يستفيد من الموسم السياحي ويتعرّف إلى جمال هذا البلد.
فالسائح لم يعُد يكتفي بزيارة أهله ولقاء أصدقائه وأقاربه كما كان يفعل سابقاً، بل صار يستفيد من سعر الصَّرف “العالي”، كون الأسعار صارت “مدروسة” والأرقام “مفرملة”، ليزورَ معالمَ سياحيّةً لبنانيّة بأسعارٍ زهيدة، بالنسبة له، ودخول أفخر المطاعم بكلفةٍ لا تتعدّى الـ100 أو 150 دولاراً كحدّ أقصى، ولحجز عطلة استجمامٍ في أجمل الأماكن والفنادق بسعرٍ لا يتجاوز الـ200 دولار، أو حتّى الاستمتاع بأجمل ليالي السّهر، مقابل بضعة دولارات في أفخر النوادي اللّيليّة، ناهيك عن كلفة دخول غالبية المنتجعات السياحيّة التي لم تُعد تتجاوز الـ20 دولاراً.
هذا المشهد لم يكن مفاجئاً أو مُستغرباً، إذ إنّ توقّعات وزارة السّياحة أشارت في وقتٍ سابقٍ إلى أنّ الحركة السياحيّة ستكون ناشطةً في لبنان خلال هذا العام، في ظلّ ما نشهدُه راهناً من استيعابٍ للأزمة، استعداداً للعودة إلى الخارطة السياحيّة العالميّة، مع إطلاق الوزارة حملةً لصيف 2022، تحت عنوان “أهلا بهالطلة “، و”مشتاق للبنان.. طلّ هالصيفيّة”، حيث سبق لوزير السّياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار أن كشف أنّ “250 ألفاً زاروا لبنان في شهر أيّار و370 ألفاً في شهر حزيران، وقد نصل في نهاية أيلول إلى مليون و200 ألف زائر، 25 بالمئة منهم من الأجانب وتحديداً من الدول العربيّة كمصر، الكويت، العراق والأردن”.
من جانبه، اعتبر أمين صندوق نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان عارف سعادة في حديثٍ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ أنّ توقعات وزير السياحة كانت صائبةً وصحيحة، والموسم مزدهر، في ظلّ وصول أعداد كبيرة من المغتربين إلى لبنان “بالرغم من الظروف الصعبة وإمكانات الوزارة المتواضعة التي يقوم موظّفوها بعملٍ جبار لإنجاح الموسم السياحي”.
هذا الواقعُ المبشّر بموسمٍ واعد، والذي قد يُزيلُ ما شهدَه لبنان من أزماتٍ ومِحَن، يعودُ إلى الوضع الأمنيّ والسياسيّ المقبول نسبياً، مع كلّ ما يُرافقه من تبريد للأجواء العامّة، الأمر الذي انعكس ارتياحاً لدى مُعظم السيّاح والمغتربين وشجّعهم على اختيار لبنان كوجهةٍ سياحيّة لهذا الصَّيف، بعد انقطاعٍ لسنواتٍ عن زيارته.
ويُؤكد سعادة في هذا الإطار أنّ “أكثر من 100 مؤسسة فتحت أبوابها فقط لهذا الموسم وهي موزّعةٌ على الأراضي اللبنانيّة كافةً، تحت رقابة وزارة السياحة، خصوصاً بعد تحديد الفاتورة السياحيّة وضبطها”.
أما في ما يخصّ سماح وزارة السياحة للمؤسّسات السياحية بأن تُصدِر الفاتورة النهائيّة بالليرة، وبشكلٍ استثنائيّ واختياريّ بالدولار، خلال الفترة المُمتدّة من تاريخ 2 حزيران 2022، ولغاية نهاية أيلول المقبل ضمناً، فاعتبر سعادة أنّ “كلّ ما قام به وزير السياحة هو أنه ضبط الأسعار نسبةً لسعر صرف الدولار وتماشياً مع دولار السوق السّوداء، وهذا لا يعني أنّ الأسعار زادت، إنّما صار سعر الدولار والليرة اللبنانية يوازيان بعضهما البعض بالنسبة إلى المواطن والسائح. أما في ما يتعلّق بإدارة المطعم، فيُمكن لصاحبه وضع السعر إما بالليرة اللبنانية أو حتى بالدولار، بحسب سعر الصرف اليوميّ”.
وقال إنّ “هذه العمليّة تُسهّل على المُغترب وعلى المواطن عمليّةَ احتساب الفاتورة، فلا يُمكن احتسابُ فاتورة 6 مليون كما كانت تُحتَسب سابقاً على دولار الـ1500، واعتبارها تُوازي 4000$، إنما باتت اليوم تُعادل الـ200$”.
وأضاف سعادة أن “هذا الإجراء المُتّخذ، يحدّ من عملية السرقة ويُسهّل على الموظّف عمليّة احتساب الفاتورة وتحويلها إلى الدولار الأميركيّ، تفادياً لحصول أي مشكلة مع الزبون”.
أمّا بالنسبة إلى التوقعات التي تنتظرُ قطاع المطاعم بعد انتهاء الموسم السياحيّ، فلا يُمكن بالنسبة إلى سعادة التأكُّد منها أو ترقّب ردّة الفعل المُقبلة، إذ إنّ اللبنانيّ يُعاني من مشاكلَ يوميّة وآنية، أما السّياح والمغتربون فيمكن أن يحرّكوا الاقتصاد قليلاً وبعد أن يُغادروا، لا يُمكن معرفة كيف سيكون الوضع في الداخل اللبناني ولا تحديد سقف لسعر صرف الدولار أو توقّع تطورات الوضع السياسيّ والاقتصاديّ في البلد، على حدّ تعبيره
وأوضح سعادة أنّ “التجارة في لبنان تجارةٌ حرّة ويُمكن لإدارة كلّ مطعم أن تضعَ الأسعار التي تُناسبها نظراً لتكاليفها التشغيليّة وإيجاراتها ومصاريفها، ولا يحقّ لوزارة السياحة التدخّل بها. كلّ ما يُطلب منها في هذا الإطار، أن تودع الإدارةُ الوزارةَ لائحةً بالأسعار لتصدّق عليها وتُعلّق لاحقاً في المطعم، فتكون الأسعار متطابقة، أو عندها تحصل مخالفة”.
إذاً، وبعدما هدأت المناكفات السّياسة نسبيّاً، عاد القطاع السّياحي في لبنان ليتنفّس الصعداء، وينهضَ من جديدٍ بفعل عائدات الدولار الأميركي، لتستريح معه مختلفَ القطاعات الاقتصاديّة.
ويبقى السؤال، هل ستعود السّياحة الى أمجادها السابقة كأحد أبرز موارد خزينة الدولة؟ وهل يكون هذا القطاع مُنقذاً للقطاع النقديّ في لبنان، في ظلّ الحديث عن الأموال الهائلة التي ستدخلُ البلاد خلال هذا الصيف والتي تُقدَّر بـ3 مليار دولار؟ الجواب مرتبط بنتائج الموسم السياحي على الأرض.
المصدر: نداء الوطن