يدرك حزب «القوات اللبنانية» أنّ وصول رئيسه سمير جعجع إلى سدّة الرئاسة الأولى متعذّر للولاية المقبلة، فلا موازين القوى المحلية ولا الإقليمية تساعد في ذلك. إنطلاقاً من هذا الواقع، تصبّ «القوات» تركيزها على قطع الطريق أمام وصول رئيس من فريق 8 آذار إلى الكرسي الرئاسي، وتعمل على التفاهم مع القوى النيابية الأخرى المعارضة، «التغييرية» و«السيادية»، للاتفاق على إسم واحد وانتخابه رئيساً للجمهورية، معوّلةً على التمكّن من جمع أكثر من 65 نائباً لانتخاب هذا الإسم، في حال نجحت المفاوضات بين القوى المعارضة وأفضت إلى اتفاق رئاسي.
بعد تجربة «الرئيس القوي»، يبدو أنّ بكركي لن ترعى اجتماعاً للأقطاب المسيحيين والاتفاق على وصول أحدٍ منهم إلى الرئاسة. وبعد المواصفات الرئاسية التي حدّدها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته الأخيرة، لم يعد باب القصر الجمهوري مُوصداً مسيحياً في وجه رئيس ليس من الأكثر «شعبيةً» أو تمثيلاً بين الموارنة. وإذ يسعى «حزب الله» إلى إيصال رئيس حليف له أو قريب منه، أو رئيس «تسووي» في حال تعذّر ذلك، تعمل المعارضة في المقابل على إيصال رئيسٍ جديد للجمهورية بعيد من فريق 8 آذار.
وعلى الرغم من أنّ الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية ستكون من العوامل الرئيسة المؤثرة على هوية الرئيس العتيد، إلّا أنّ اللعبة الداخلية تؤدي دوراً أيضاً في هذا الاستحقاق. وإذ لم يبرز بعد إسم جديد مطروح جدّياً للرئاسة، ما زالت أبرز الأسماء المتداولة محصورة بين رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزف عون. وبرزت «تغريدة» للإعلامي سامي كليب، أشار فيها إلى أنّه «يبدو أنّ مسألة ترشيح النائبة ستريدا جعجع لرئاسة الجمهورية مطروحة بجدّية، وهي موضع تداول».
فهل تُقدِم «القوات» على ترشيح نائبتها بدلاً من رئيسها؟
تعتبر «القوات» أنّ «الحواجز التي يجري وضعها أمام وصول الدكتور جعجع إلى الرئاسة هي نفسها ستوضع أمام النائبة ستريدا جعجع وأمام أي نائب أو قيادي آخر في الحزب، لأنّ ستريدا أو أي قيادي آخر يحمل المنطلقات والثوابت نفسها التي يحملها «الحكيم» وكتاب الدستور، فهذه مدرسة «القوات» ونهجها وخطها ومنطلقاتها. وبالتالي ما ينطبق على جعجع ينسحب على كلّ قواتي في أي موقع كان، يتعرّض لمواجهة وعزل ومحاربة، لأنّه يحمل مبادئ «القوات».
وتشير مصادر «القوات»، إلى أنّ «الحزب ممنوع من الوصول إلى الرئاسة، لأنّ من يريد إبقاء لبنان ساحة مستباحة لسلاحه غير الشرعي، ومن يريد إبقاء لبنان مزرعة لا دولة، لا إصلاح فيها بل فساد مستشرٍ، لا يريد وصول أي قواتي لأي موقع متقدّم وتحديداً موقع الرئاسة. لذلك، إنّ ما ينطبق على وصول جعجع ينسحب على النائبة ستريدا وأي قيادي آخر». وتقول: «إذا كان هناك من يطرح هذا الأمر ولديه الرغبة في وصول ستريدا أو أي نائب أو قيادي آخر في «القوات»، فنحن نتمنى ذلك، إذ يكون يذهب في اتجاه تطبيق برنامج القضية، ويساهم في إيصال مشروع «القوات» إلى السلطة، وهو مشروع «الجمهورية القوية». وإذا كان هناك من الفريق الآخر من يفضّل ستريدا على سمير جعجع، فنحن نعتبر أنّ أي قيادي أو نائب في «القوات» يحمل المنطلقات والثوابت والمبادئ نفسها، ما يعني وصول الدكتور جعجع، أي العبور إلى «الجمهورية القوية».
لذلك، إنّ أولوية «القوات» في هذه المرحلة، أن تتوحّد قوى المعارضة للاتفاق على الشخصية التي تجسّد المنطلقات الإصلاحية والسيادية، في مزاوجة واضحة المعالم التكاملية بين الدولة السيّدة وحُسن إدارة هذه الدولة، تمهيداً لإعادة الاعتبار لمشروع الدولة في لبنان والاستقرار، لأنّ «هذا الأمر في حال لم يتحقق سنذهب إلى ولاية إضافية ومزيد من الشيء نفسه، أي مزيد من الانهيار والممارسة غير الإصلاحية واللاسيادة ووجود القرار في طهران وليس في بيروت، وإلى مزيد من العزلة والفساد والسمسرات والصفقات وهجرة اللبنانيين. وإذا فوّتت المعارضة فرصة الاتفاق على إسم واحد، نكون ليس فقط نضيّع فرصة ذهبية على اللبنانيين، بغية وضع سكة بناء الدولة على الطريق الصحيح، بل نكون عملياً ندفع في اتجاه ضياع لبنان، لأنّ البلد لم يعد يتحمّل مزيداً من الانهيار، وسنكون ربما أمام أمر خطير جداً ووضعية لا ندرك إلى أين يُمكن أن تفضي وأن تدفع إلى كوارث غير مسبوقة حتى إبّان الحرب اللبنانية».
هذه المفاوضات بين «القوات» وبقية مكونات المعارضة بدأت وقائمة على قدم وساق، بغية الاتفاق على الرئيس الذي يحمل العناوين الإصلاحية والسيادية. ولن تكرّر «القوات» تجربة انتخاب العماد ميشال عون، وتعتبر أنّ «من الخطيئة أن يُنتخب أي رئيس من خط 8 آذار، بمعزل عمّا إذا كان أصيلاً في هذا الخط أم لاجئاً سياسياً إليه، فالنتيجة نفسها، وهي الانهيار والعزلة، لأنّ القرار لن يكون في بعبدا بل سيكون القرار الفعلي في حارة حريك، أي أنّ القرار سيكون في طهران وليس في بيروت». وترى أنّه «لا يجوز انتخاب رئيس من 8 آذار، فهذا يعني ذهاب لبنان إلى أسوأ من جهنم وإلى محاذير كُبرى».
وتعوّل «القوات» على إمكانية توحيد المعارضة والتمكُّن من انتخاب الاسم التي ستتفق عليه، لأنّ مكونات وشخصيات هذه المعارضة سبق أن تمكنت في الجلسة الأولى لمجلس النواب، على الرغم من أنّها لم تكن على تواصل بعضها مع بعض، من أن تجمع 60 نائباً في انتخاب نائب رئيس المجلس. وترى «القوات»، أنّ هذه المعارضة تستطيع أن تجمع أكثر من 65 نائباً لإيصال شخصية إلى موقع الرئاسة.
ولا تبحث «القوات» في خطط أخرى بديلة، راهناً، قبل أن تعطي هذا العنوان حقه من النقاش والبحث والوصول إلى تفاهم واتفاق. كذلك تنفي التواصل مع باسيل لقطع طريق الرئاسة أمام فرنجية، مشيرةً إلى أنّ «الأولوية القصوى في هذه المرحلة هي للتواصل بين المكونات التي تحمل المشروع السيادي والإصلاحي نفسه، ولا إمكانية للتواصل مع أي فريق خارج هذا العنوان، خصوصاً الأحزاب والتيارات التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه من كوارث».
راكيل عتيّق – الجمهورية