عندما بدأت أعداد الداخلين من سوريا إلى لبنان تتزايد بعد تفاقم الأحداث الأليمة هناك منذ نحو عشر سنين، احتار المعنيون في التسمية التي يجب أن تُطلق على هؤلاء، ووجد أصحاب القرار في لبنان أنفسهم في مأزق لأنهم كانوا ملتزمين سياسة تشريع الأبواب، الشرعي منها وغير الشرعي، أمام مئات الآلاف من المتدفقين إلى لبنان، من جهة، وفي الوقت نفسه يخشون أن يتحول الوضع على أيديهم إلى ما يشبه مآل اللاجئين الفلسطينيين، من جهة أخرى. فكان أن جرى تغليف ما حصل بغلاف لفظي ومحاولة إنكار واقع اللجوء السوري الكثيف وغير المضبوط إلى لبنان، عبر اختيار استخدام تعبير “النازحين” بدلاً من اللاجئين، لعله يخفف التهمة عمّن ارتكبوا خطيئة تشريع الحدود دون أية قيود.
في اللغة، الفرق بين النزوح واللجوء يكمن في أن الأول يعني مكان الانطلاق بينما يدلّ الثاني على مكان الوصول. فيُقال، نَزَحَ عَنْ بِلاَدِهِ: رَحَلَ عَنْهَا. ويُقال: لجَأ الشَّخْصُ إلى المكان وغيره قصَده واحتمى به.
هذا في اللغة أما في القانون الدولي فقد عرفت اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أقرت في جنيف في العام 1951 اللاجئ كما يلي: “تنطبق لفظة لاجئ على كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد…”
لم يوقع لبنان هذه الاتفاقية ولم ينضم إليها ولكنه عند نشوء الأزمة خضع لإجراءات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين التي أنشأت لنفسها البنية التحتية اللازمة لإدارة ملف اللاجئين السوريين في لبنان، ولم تعمد الحكومات اللبنانية إلى تطبيق القانون اللبناني (قانون الدخول الى لبنان والاقامة فيه والخروج منه، الصادر في 10/7/1962) الذي ينص على أنه:
“كل اجنبي موضوع ملاحقة او محكوم عليه بجرم سياسي من سلطة غير لبنانية او مهددة حياته او حريته لاسباب سياسية، يمكنه ان يطلب منحه حق اللجوء السياسي.” (المادة 26). يُمنح حق اللجوء بقرار يصدر عن لجنة مؤلفة من وزير الداخلية رئيسا ومديري العدلية والخارجية والامن العام اعضاء. (المادة 27). والضوابط التي تطبق هي أنه:
– للجنة ان ترفض منح حق اللجوء السياسي او ترجع عنه فتقرر الاخراج او تقيده بشروط كالاقامة في نطاق معين وسواها.(المادة 29)
– لا يحق لمن منح حق اللجوء ان يقوم طيلة اقامته في لبنان بأي نشاط سياسي.(المادة 30)
– اذا تقرر إخراج اللاجىء السياسي فلا يجوز ترحيله الى ارض دولة يخشى فيها على حياته أو حريته.(المادة 31)
لم يؤدّ التذاكي اللفظي الغرض منه، وتفاقم النزوح من سوريا واللجوء إلى لبنان، حتى فاق العدد ثلث الشعب اللبناني. ولا يتسع المجال لعرض المصاعب والمساوئ أو لمناقشة المواقف السياسية من الملف في ظل العجز عن المعالجة.
في السياق برز أمس كلام مدير عام الأمن العام، الذي يرتفع بحكم موقعه وصفاته عن تلك السياسات، فقال بأنه لا نية للمجتمع الدولي لاعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحجج عديدة.
لذلك حان الوقت للمباشرة بتطبيق القانون اللبناني على من ينطبق عليهم بالفعل، أما الباقون فهم من المقيمين على الأراضي اللبنانية لأسباب اقتصادية لا قدرة للبنان على احتمالها.